بازگشت

من مناقب الامام الجواد و علمه


قال الأب: من طبيعة الانسان ان يكون أكثر الما علي الشاب حينما يتعرض لشي ء من الأذي أو الموت من الذين دخلوا في مرحلة الشيخوخة. و سبب ذلك هو الاحساس بعدم أخذه فرصة أكبر في هذه الحياة.

و الامام الجواد محمد بن موسي الرضا عليه السلام شاب لم يتح القدر له في أن يتمتع بأهله و ذويه. اذ عاجله الموت بفعل فاعل ما كانت لآل النبي صلي الله عليه و آله و سلم حرمة لديه. و هذه مؤلمة لكل من يتعرف عليها ناهيك عن كونه اماما مفترض الطاعة.

و الأمر من ذلك و الأشد ألما حينما تتعرف علي الأسباب التي دعت الي قتله و سمه. فهو كابائه حسدوا علي ما اتاهم الله من فضله. من العلم و الحكمة و فصل الخطاب. و غيرها من الأفضال التي خصهم بها الله تعالي دون غيرهم من المسلمين. علما أن المفترض يجب أن يكون العكس تماما. فصاحب الفضل يجب أن ينال من الناس اسمي آيات التبجيل و التكريم لما يحمل من فضل و ما يمتاز من أفضلية.



[ صفحه 268]



الا أنها البلوي التي ابتلي الله تعالي بها عباده. لا ليكون جل جلاله علي بينة من حال العبد فيما لو كان صالحا أم غير صالح. و هو غلام الغيوب. و انما ليكون العبد علي بينة من نفسه كي لا تكون له حجة يوم القيامة. و كذلك لكي يتلذذ المطيع و العامل الصابر بما ينال من جزاء يوم القيامة. سينال كل حقه و لا يبخسون فتيلا. و قد أنبأ المسلمون بذلك بما ورد في القرآن الكريم و علي لسان سيد المرسلين و أحاديث الأئمة الأطهار عليه السلام. قال تعالي: (و اذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد) [1] و عن علم الله تعالي بأعمال العباد قال أميرالمؤمنين عليه السلام:

أعلموا عباد الله. ان عليكم رصدا من أنفسكم. و عيونا من جوارحكم. و حفاظ صدق يحفظون اعمالكم. و عدد أنفاسكم. لا تستركم منهم ظلمة ليل داج. و لا يكنكم منهم باب ذو رتاج. و أن غدا من اليوم قريب.

يذهب اليوم بما فيه. و يجيي ء الغد لا حقا به. فكان كل امري ء قد بلغ من الأرض منزل وحدته. و محط حفرته. فيا له من بيت وحده. و منزل وحشة. و مفرد غربة. و كان الصيحة قد اتتكم. و الساعة قد غشيتكم. و برزتم لفصل القضاء. قد ازاحت عنكم الاباطيل. و اضمحلت عنكم العلل. و استحقت بكم الحقائق. و صدرت بكم الأمور مصادرها. فاتعضوا بالعبر. و اعتبروا بالغير. و انتفعوا بالنذر.

ثم تابع الأب حديثه: كل الفعال السيئة كان سببها الهوي أولا. و اغواء الشيطان ثانيا. و لو لا الهوي لما كان بمقدور الشيطان



[ صفحه 269]



ان يزل العبد عن طريق الصراط. و لذلك فجهاد النفس يعد جهادا أكبر. و عملا يرتقي به المسلم الي مصافي عباد الله الصالحين السالكين الطريق الي الله جل جلاله. و الذين وصفهم أميرالمؤمنين علي عليه السلام بقوله:

قد أحيا عقله. و أمات نفسه. حتي دق جليله. و لطف غليظه. و برق له لامع كثير البرق. فابان له الطريق. و سلك به السبيل. و تدافعته الأبواب الي باب السلامة. و دار الاقامة. و تثبتت رجلاه بطانينه بدنه. في قرار الأمن و الراحة. بما استعمل قلبه. و أرضي ربه.

ثم قال الأب: تفكر العبد و محاسبته لنفسه يفتح له الطريق نحو اصلاح النفس. و تربية الذات. و تقويم السلوك. و الذي يجعل من التفكر و محاسبة النفس تسير مسري صحيحا. هو المقارنة بين السلوك الذاتي و سلوك القدوة و الأسوة. و قد ارشدنا الله تعالي الي استوتنا و أمرنا بالتآسي به بقوله جل جلاله: و لكم في رسول الله أسوة حسنة.

ثم أمرنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: ان وصيي و موضع سري. و خير من أترك بعدي. و ينجز عدتي. و يقضي ديني: علي بن أبي طالب. [2] .

ثم قال صلي الله عليه و آله و سلم: خير رجالكم علي بن أبي طالب. و خير شبابكم الحسن و الحسين. و خير نسائكم فاطمة بنت محمد. [3] .



[ صفحه 270]



و قال صلي الله عليه و آله و سلم: أيها الناس. اني قد تركت فيكم ما أن اخذتم به لن تضلوا: كتاب الله و عترتي أهل بيتي. [4] .

و في رواية أخري قال صلي الله عليه و آله و سلم: اني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي. احدهما اعظم من الآخر: كتاب الله حبل محدود من السماء الي الأرض. و عترتي أهل بيتي. و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض. فانظروا كيف تخلفوني فيهما. [5] .

فأي اعلان أكثر وضوحا من قول المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم هذا أو غيره الكثير. في أن يكون آل البيت أسوة للمسلمين. و اعلاما للضالين. و منارا للراجين الرضا و القبول من الله تعالي و رسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم. فهم الاعلام و الحجج و البرهان. و هم الأسوة بعد خير الأنام محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و هم من قال المصطفي لنا فيهم:

من سره أن يحيي حياتي. و يموت مماتي. و يسكن جنة عدن غرسها ربي. فليوال عليا بن بعدي. و ليوال وليه. و ليقتد بالأئمة من بعدي. فانهم عترتي. خلقوا من طينتي. و رزقوا فهما و علما. و ويل للمكذبين من امتي. القاطعين فيهم صلتي. لا انالهم الله شفاعتي. [6] .

فقال الابن الأكبر: لم يبق بعد هذا الحديث من عذر أو حجة في عدم مولاتهم عليه السلام. و معاداة اعدائهم.

فقال الأب: و مع كل ذلك يا ولدي. فقد كذب البعض من المسلمين و قطعوا هذه الصلة التي أمر الله تعالي و رسوله أن توصل. رغم تأكيده صلي الله عليه و آله و سلم بكونهم من عترته أهل البيت. و أنهم خلقوا من



[ صفحه 271]



طينته. و رزقوا علما و فهما. و قد أكدت كتب التاريخ علي اعلميتهم و فهمهم و صدق ايمانهم.

الابن الأكبر: و هل سجل التاريخ يا أبي للامام محمد الجواد عليه السلام مواقف في زمن المعتصم العباسي أثبتت للمناوئين له علمه و أفضليته عليهم؟

فقال الأب: بالتأكيد يا بني. و كمثال علي ذلك ما رواه العياشي في تفسيره عن زرقان صاحب ابن أبي داود و صديقه قال: رجع ابن أبي داود ذات يوم من المعتصم و هو مغتم. فقلت له: في ذلك. فقال: وددت اليوم اني قد مت منذ عشرين سنة.

قال زرقان: قلت له: و لم ذاك؟

قال ابن أبي داود: لما كان من هذا الاسود أبي جعفر محمد بن علي بن مسوي اليوم بين يدي أميرالمؤمنين.

قال زرقان: قلت: و كيف كان ذلك؟

قال ابن أبي داود: ان سارقا أقر علي نفسه بالسرقة. و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه. فجمع المعتصم لذلك الفقهاء في مجلسه. و قد احضر محمد بن علي. فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟

قال ابن أبي داود: فقلت: من الكرسوع.

قال الخليفة: و ما الحجة في ذلك؟

قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع. و الكف الي الكرسوع لقول الله في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم) و اتفق معي علي ذلك.



[ صفحه 272]



و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق.

قال المعتصم: و ما الدليل علي ذلك؟

قالوا: لأن الله لما قال: (و أيديكم الي المرافق) في الغسل: دل ذلك علي أن حد اليد الي المرفق.

قال ابن أبي داود: فالتفت المعتصم الي محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أباجعفر؟

قال: قد تكلم القوم فيه يا أميرالمؤمنين.

قال المعتصم: اقمست عليك بالله. لما اخبرت بما عندك فيه.

فقال الجواد: يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع. فيترك الكف.

قال المعتصم: و ما الحجة في ذلك؟

قال: قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: السجود علي سبعة أعضاء: الوجه. و اليدين. و الركبتين. و الرجلين. فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها. و قال الله تبارك و تعالي: (و أن المساجد لله). يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها. و ما كان لله لم يقطع.

قال ابن أبي داود: فأعجب المعتصم ذلك. و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

ثم قال ابن أبي داود: قامت قيامتي. و تمنيت اني لم أك حيا.

قال زرقان: قال ابن أبي داود: صرت الي المعتصم بعد ثالثة:



[ صفحه 273]



فقلت: ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة. و أنا أكلمه بما أعلم اني أدخل به النار.

قال المعتصم: و ما هو؟

قال ابن أبي داود: قلت: اذا جمع أميرالمؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علمائهم لأمر واقع من أمور الدين. فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك. و قد حضر في مجلسه أهل بيته و قواده و وزرائه و كتابه. و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه. ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته. و يدعون أنه أولي منه بمقامه. ثم يحكم بحكمه دون الفقهاء.

قال زرقان قال ابن أبي داود: فتغير لون المعتصم. و تنبه لما نبهته له. و قال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا...

فقال الأبن الأكبر: من خلال هذه الرواية يا أبي تبين لي أن ابن أبي داود كان فقيها مسموع الحكم لدي المعتصم. و أنه حينما قال للمعتصم بعد أن أجري حكم الامام الجواد عليه السلام في السارق: ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة. و أنا أكلمك بما أعلم اني ادخل به النار. فان كان مقرا بأن ما يقوله للخليفة أنه يعلم بكونه يدخله النار. فهذا يعني أولا: انه كاذب. لأن ما قاله لم يكن نصيحة. فالنصيحة لا تدخل النار. لأنها أمر بالمعروف. و الأمر بالمعروف فرع من من فروع الدين.

ثانيا: أي فقيه هذا الذي يابي ان يجري يحكم الله تعالي بما أقره و سنة الله و رسوله. و اقتنع به و بصحته هو نفسه. بدليل قوله أنا اكلمك بما أعلم اني ادخل به النار.



[ صفحه 274]



ثالثا: قوله للمعتصم عن الامام الجواد عليه السلام: يقول شطر هذه الأمة بامامته و يدعون أنه أولي منه بمقامه: و هذا القول يدلل علي أمرين: الأول: أن ابن أبي داود لا يؤمن بامامة الامام الجواد عليه السلام. و هذا يعني أنه لا يمتثل لقول الله جل جلاله: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم تعلمون) و كذلك لم يمتثل لأمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حينما قال: اني تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بها لن تضلوا بعدي ابدا. كتاب الله و عترتي آل بيتي...

رابعا: أنه يحرض المعتصم علي أذي الامام الجواد عليه السلام. و يخوفه منه علي خلافته. و المعروف أن من يحرض علي الأذي بغير حق فله من الله جزاء ذكره سبحانه و تعالي في كتابه الكريم بقوله جل جلاله: (و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و اثما مبينا) [7] و كذلك ذكره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حديثه الشريف حيث قال: (من آذي مؤمنا فقد آذاني و من آذاني فقد آذي الله و من آذي الله فهو ملعون في التوراة و الانجيل و الزبور و الفرقان). و في رواية أخري: (فعليه لعنة الله و الملائكة الناس أجمعين). [8] .

فقال الأب: ان ما ذكرته صواب كله يا ولدي. و هو ما كسبته أيديهم. و ما اختاروه لأنفسهم. و يؤلمنا ما اكتسبوه باختيارهم لأنهم اخواننا في الدين. و هو بالتأكيد مؤلما لآل البيت الأطهار أيضا. و هم المعروفون بحبهم للناس جميعا ما يحبون لانفسهم. و يكرهون لهم ما يكرهون لها. و هكذا علمونا من خلال أحاديثهم و سلوكياتهم. و وصاياهم.



[ صفحه 275]



فقال الابن الأكبر: و ما يضرهم يا أبي لو اتبعوا أوامر الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و والوا آل البيت و سلكوا نهجهم. و ساروا علي خطاهم؟

فقال الأب: و هل تظن يا ولدي أن في اتباع أحكام الله تعالي و شرائعه خسارة؟

فقال الابن الأكبر: معاذ الله يا أبي. لم اقصد ذلك. و أن ما قصدته هو أما كان أولي لهم اتباع أوامر الله تعالي و أحكامه؟.

فقال الأب: هي خصلتان سيئتان اذا كان عليهما العبد ضل السبيل ألا و هما: الحرص و طول الأمل. و ما دام الحرص واحدا من أسباب الهوي. فاذا اتباع الهوي و طول الأمل توصلان المرء الي سوء المنقلب. و هذا هو الخسران. و لو تفكر الانسان قليلا. لوجد أن الدنيا و ما فيها ينال نصيبه منها من يحبه الله و من يبغضه. الا ان من احبه الله تعالي هو من تعمر قلبه بالايمان و التقوي. و أن من أبغضه الله هو من كان كل همه أن ينال من الدنيا ما ليس له به حق. و يظن أنه يعمر فيها ناسيا الموت و الحساب. و لهذا فقد وردت وصايا كثيرة سواء في كتاب الله تعالي. أم في احاديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم و آل بيته تدعو الانسان أن يذكر الموت دائما لأنه يذهب الحرص علي الدنيا من داخل النفس و يزهد فيها. و هذا يؤدي الي محاسبة النفس دائما و التحرز من ارتكاب الذنوب.

فمن حديث لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول فيه: اذا اصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء. و اذا امسيت فلا تحدث نفسك بالصباح. و خذ من دنياك لاخرتك. و من حياتك لموتك. و من صحتك لنفسك. فانك لا تدري ما اسمك غدا.



[ صفحه 276]



فقال الابن الأكبر: ما حصل للامام الجواد محمد بن علي عليه السلام بعد هذه الحادثة يا أبي؟

الأب: كانت يا ولدي واحدا من الاسباب التي دفعت المعتصم العباسي الي قتل الامام الجواد عليه السلام بالسم.

الابن الأكبر: و كيف يا أبي؟

الأب: هذا ما ستتحدث عنه يوم غد ان شاء الله تعالي.



[ صفحه 277]




پاورقي

[1] ابراهيم: الآية 7.

[2] كنز العمال ج 6 ص 154.

[3] ينابيع المودة ص 247.

[4] صحيح الترمذي ج 2 ص 308.

[5] صحيح الترمذي ج 2 ص 308 و أسد الغابة ج 2 ص 12.

[6] حلية الأولياء ج 1 ص 86.

[7] الأحزاب: الآية 58.

[8] جامع الأخبار. الباب 7 الفصل 4.