بازگشت

الولادة و النشأة


قال الأب: حدثتكم ان للرضا عليه السلام من الأولاد ذكورا جعفر و محمد. و اناثا فاطمة. و ابنه جعفر لم يعقب. أما محمد فقد اعقب.

كان مولد محمد بن علي عليه السلام في السنة الخامسة بعد المائة و التسعين من الهجرة النبوية الشريفة. و هذا متفق عليه. أما بالنسبة لليوم و الشهر فقد اختلف فيه. فمن قائل أنه كان يوم جمعة خامس عشر من شهر رمضان المبارك. و منهم من قال تاسع عشر منه. و قيل أنه كان يوم العاشر من رجب.

كان مولده عليه السلام في المدينة المنورة. من أم تدعي سبيكة. و قيل الخيزران و قيل ريحانة أو سكينة. و قيل مريسة. و كانت امرأة نوبية. و قيل أنها كانت من أهل بيت مارية القطبية أم ابراهيم بن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

قال الابن الأكبر: و من هي مارية يا أبي؟ و كيف تزوجها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟



[ صفحه 236]



الأب: هي الجارية التي اهداها النجاشي ملك الحبشة الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

ثم تابع الأب حديثه قائلا: في يوم كان الله جلت قدرته قضي أن تكون فيه ولادة حجة من حججه تعالي علي الأرض. كانت قد أحست سبيكة أو الخيزران. بما تحس النساء حين الولادة. فما كان من الامام الرضا علي بن موسي عليه السلام الا أن أمر احدي اخواته و هي حكيمة بنت الامام موسي بن جعفر عليه السلام أن تحضر مع القابلة ولادة ابنه الجواد عليه السلام. فقال لها كما روي عن حكيمة قالت: لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام. دعاني الرضا عليه السلام فقال لي: يا حكيمة. احضري ولادتها. و أدخلي و اياها و القابلة بيتا.

ثم قالت حكيمة: و وضع لنا الرضا عليه السلام مصباحا. و أغلق علينا الباب. فلما أخذها الطلق طفي ء المصباح. و كان بين يديها طشت. فاغتممت بطفي ء المصباح. فبينما نحن كذلك. اذ بدر أبوجعفر محمد عليه السلام في الطشت. و اذا عليه شي ء رقيق كهيئة الثوب. يسطع نوره حتي اضاء البيت. فابصرناه فأخذته فوضعته في حجري. و نزعت عنه ذلك الغشاء. فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب. و قد فزعنا من أمره. فأخذه فوضعه في المهد. و قال عليه السلام: يا حكيمة. الزمي مهده.

قال حكيمة: فلما كان اليوم الثالث. رفع محمد عليه السلام بصره الي السماء. ثم نظر يمينه و يساره. ثم قال: اشهد أن لا اله الا الله. و أشهد أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله.

ثم قالت حكيمة: فقمت ذعرة. فأتيت أباالحسن الرضا عليه السلام.



[ صفحه 237]



فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجبا. فقال الرضا عليه السلام: و ما ذاك؟ قالت: فأخبرته الخبر. فقال عليه السلام: يا حكيمة. ما ترون من عجائبه أكثر. [1] .

الابن الأكبر: كل الأئمة من آل البيت النبوي الأطهار يا أبي. كانت ولادتهم شيئا غير عادي؟

الأب: نعم يا ولدي. ان الله جل جلاله يظهر لهم كرامات و فضائل منذ ولادتهم. لكي يظهر بها فضلهم و تميزهم عن الناس. فهم حججه علي الناس. و الحجة يجب أن تكون له كرامات و فضائل يمتاز بها عليهم. و هي التي تظهر له ابتداء من حمله حتي وفاته عليه السلام. و ما ظهر للامام الجواد عليه السلام الا واحدة من هذه الكرامات و الفضائل.

ثم قال الأب: و مما روي عن كليم بن عمران قال: قلت للرضا عليه السلام: أدع الله ان يرزقك ولدا. فقال عليه السلام: انما ارزق ولدا واحدا. و هو يرثني. ثم قال كليم بن عمران: فلما ولد أبوجعفر محمد الجواد عليه السلام قال عليه السلام لأصحابه: قد ولد لي شبيه موسي بن عمران فالق البحار. و شبيه عيسي بن مريم. قدست أم ولدته. قد خلقت طاهرة مطهرة.

قال كليم: ثم قال الرضا عليه السلام: يقتل غضبا. و تبكي له و عليه أهل السماء. و يغضب الله تعالي علي عدوه و ظالمه. فلا يلبث الا يسيرا. حتي يعجل الله به الي عذابه الأليم. و عقابه الشديد.



[ صفحه 238]



ثم قال: و كان عليه السلام يناغيه طول ليلته في مهده. [2] .

ثم قال الأب متابعا حديثه: سماه أبوه حين ولادته محمدا. و كناه بأبي جعفر. و هي الكنية التي اشتهر بها.

و قيل كان من كناه أباعلي. و هذا متروك. و لم يؤكده الا القلة القليلة.

الابن الأكبر: و بماذا كان يلقب الامام محمد بن علي عليه السلام يا أبي؟

الأب: كانت له عدة ألقاب كما كان شأنه آبائه عليه السلام. الا أن المشهور و المعروف فيه هو الجواد. و من ألقابه التي كان عليه السلام يلقب بها أيضا التقي. و المختار. و المنتجب. و المرتضي. و القانع و العالم.

و قد نسبت اليه عليه السلام ألقابا أخري: كالمتوكل و المتقي و الزكي [3] .

فقال الابن الأكبر: حدثنا يا أبي عن النشأة التي نشأ فيها الامام محمد الجواد عليه السلام؟

الأب: منذ أن ولد الامام الجواد محمد بن علي عليه السلام و هو برعاية أبيه الرضا عليه السلام و قريبا منه يزقه العلم و الحكمة زفا كما يقال: لم يفترق عنه الا لمما. و ما أن بلغ الجواد عليه السلام الثامنة من العمر. كان المأمون قد استدعي اليه في خراسان الامام الرضا عليه السلام. و هذا ما تحدثنا عنه في معرض حديثنا عن الامام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام.



[ صفحه 239]



كان الجواد عليه السلام من بين أهل الامام الرضا عليه السلام الذين أمر الرضا عليه السلام في ان يبقوا في المدينة و لم يحضروا معه الي خراسان. و من ذلك اليوم كان الفراق قد حصل بين الأب الامام ابنه و خليفته الجواد محمد عليه السلام.

كانت نشأة الامام الجواد عليه السلام دليلا قاطعا علي أن الأئمة من آل البيت النبوي الأطهار يرثون العلم و الحلم و الحكمة وراثة و ليس تعليما من أحد أو جماعة.

فقال الابن الأكبر: و كيف ذلك يا يبي؟

الأب: حينما سافر الامام الرضا عليه السلام الي خراسان كان ابنه الامام محمد الجواد في الثامنة من العمر كما هو مشهور لدي الجميع [4] و مسجل في كتب السير و التاريخ. و هذا يعني أنه لم يتهيأ له أن يأخذ العلم عن أبيه لبعده عنه فيما اذا كان الأئمة يتعلمون من الآباء ما كانوا عالميه. و انما كانوا قد خصوا من الله تعالي بالعلم وراثة يرثه الابن عن أبيه كما يرث الانسان بعض الخصائص الوراثية التي يرثها.

الابن الأكبر: و كيف يرث الابن العلم عن أبيه يا أبي؟

الأب: حينما خص الله تبارك و تعالي رسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم بأن يرث علم الأنبياء جميعا. كان ذلك قد حدث الهاما و وحيا من الله تبارك و تعالي. و ما أن حل قضاء الله تعالي برحيل المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم عن هذه الدنيا الي جوار خالقه جل جلاله. كان أمر الله



[ صفحه 240]



ان يرث علي كل ذاك العلم منه. فكانت مناجاته عليه السلام لعلي عليه السلام قبل أن يفارق الحياة. و حينما سئل علي عليه السلام عما قال له المصطفي. صلي الله عليه و آله و سلم. قال: علمني أخي و حبيبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ألف باب من العلم يفتح في كل باب ألف باب. و في رواية أخري: يفتح في كل باب ألف ألف باب.

ثم تابع الأب حديثه: هكذا كانت وراثة علي عليه السلام لعلم المصطفي الحبيب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و مثلها أو شبيها بها كانت الوراثة للعلم بين الامام و ابنه الامام عليهم صلوات الله و سلامه اجمعين.

الابن الأكبر: و هل سجل له عليه السلام التاريخ مواقف اشارت الي اعلميته يا أبي؟

الأب: نعم يا ولدي. هناك الكثير من الأحداث صادفت الامام عليه السلام سواء كانت مع الناس من العامة أو مع العلماء في ذلك الزمان اثبت من خلالها اعلميته و فضله و كرامته علي الجميع مع ما كان عليه من صغر السن.

الابن الأكبر: حدثنا عن ذلك يا أبي؟

الاب: سأحدثكم عن واحدة منها كمثال علي ذلك.

كان الامام محمد الجواد عليه السلام بعد وفاة أبيه الرضا عليه السلام لم يكن يتجاوز من العمر التسع سنوات كما في أكثر الروايات. و الذي أكده العلماء أنه كان عليه السلام في الثامنة من العمر. و كما و سبق و أن حدثتكم ان الامام الرضا عليه السلام قد تركه و أهل بيته في المدينة و رحل الي خراسان حتي استشهد هناك. بعيدا عن أهله و ولده. و لذلك. و لصغر سنه عليه السلام و بعد أبيه عليه السلام عنه فقد دخل الشك في امامته قلوب كثير من شيعة أبيه.



[ صفحه 241]



فقال الابن الأكبر: ألم تقل لنا يا أبي ان الامام الرضا عليه السلام كان قد أوصي بالامامة له عليه السلام. و أكد للناس أنه الخليفة بعده؟

فقال الأب: نعم يا ولدي هذا ما حصل بالفعل. الا أنه قد حصل أمام وجوه أصحاب الامام الرضا عليه السلام و أهل بيته فقط. و لم يكن أمام جميع كبير من الناس حتي يكونوا علي علم بذلك.

ثم تابع الأب حديثه: و ليس هذا فحسب. و انما صغر سن الامام الجواد عليه السلام أيضا قد أورد الشك في قلوب كثير من الناس. لأن هذه حالة لم تكن قد حصلت لامام قبله. و لذلك فقد توجه اليه أكابر الشيعة من العلماء و الفضلاء و الأشراف حين ورودهم للحج ذلك العام. و أجتمعوا بالامام الجواد عليه السلام. و شاهدوا عن كثب من بحار علومه. و أنوار معجزاته و كراماته و فضائله ما حكموا من خلاله علي عظم مرتبته و مقداره. و لم يبق لدي أحدي منهم شبهة أو شك في كونه هو الامام بعد أبيه. خصوصا و هو عليه السلام كان يحمل من العلم في الكتاب و السنة و الشرائع و الأحكام ما لم يكن له مثيل. بل و حتي لم يكن أحد ليدانيه في علمه.

ثم قال الأب: و مما رواه الكليني و غيره باسناده حسن عن ابراهيم بن هاشم قال: استأذن علي أبي جعفر محمد الجواد عليه السلام قوم من أهل النواحي. فأذن الامام عليه السلام لهم. فدخلوا فسألوه في مجلس واحد ثلاثين ألف مسألة. فأجاب عليه السلام عنها و هو له عشر سنين.

ثم قال الأب: كل هذه الأحداث و غيرها جعلت من الناس موقنين ان الامام بعد الرضا عليه السلام هو ابنه محمد بن علي الجواد عليه السلام.



[ صفحه 242]



الابن الأكبر: لقد ذكرت لنا مرة أن الامام الجواد عليه السلام توفي و هو شاب لم يتجاوز من العمر أكثر من خمس و عشرين عاما. أليس كذلك يا أبي؟

فقال الأب: نعم يا ولدي. كان شابا في ريعان الشباب حين استشهد. فارق الحياة و هو ابن خمسة و عشرين عاما.

فقال الأبن الأكبر: هذا يعني أن فترة امامته عليه السلام لم تكن تتجاوز السبعة عشر عاما؟

فقال الأب: هذا صحيح يا ولدي. لم تتجاوز ذلك. أو تجاوزته قليلا.

فقال الابن الأكبر: و كيف ذلك يا أبي؟

الأب: لقد روي عن العلامة المجلسي رحمه الله ذكر: ان مدة امامة الجواد عليه السلام كانت علي المشهور سبعة عشر سنة و كسر.

كما و ذكر ابن شهر آشوب في المناقب ان مدة امامته كان سبعة عشر سنة. و يقال أنه عليه السلام أقام مع أبيه الرضا عليه السلام سبع سنين و أربعة أشهر و يومين. و بعده ثمانية عشر سنة الا عشرين يوما.

الابن الأكبر: هذا فيما اذا كان عليه السلام قد أقام مع أبيه عليه السلام سبع سنين و أربعة أشهر و يومين. كما ذكر ابن شهر آشوب.

الأب: هناك روايات تختلف عن هذه الرواية. فمثلا منهم من قال أنه امضي مع أبيه سبع سنين و منهم من قال ثمانية و آخرون قالوا تسعة سنين. و بالحالة هذه ستختلف مدة امامته تبعا لهذه الروايات. الا أن المشهور أنها كانت سبعة عشر سنة.



[ صفحه 243]



الابن الأكبر: و هل تمكن الامام عليه السلام خلال هذه المدة القصيرة بعض الشي ء أن يفيد الناس بعلومه كما سبقه آباؤه و اجداده؟

الأب: بالتأكيد يا ولدي. فقد أفاد المسلمين كثيرا بعلومه سواء في التفسير أو الحديث. بل في كل العلوم التي كان عليه السلام يسأل عنها. خصوصا و هذه هي مهمة الأئمة من آل البيت النبوي عليه السلام. و هل مر علي المسلمين زمان لم يكونوا محتاجين لعلم آل البيت النبوي عليه السلام؟ ألم يأمرنا الله تعالي بقوله فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعملون؟

الابن الأكبر: حينما حدثتنا عن الامام الرضا عليه السلام ذكرت لنا أن المأمون حينما تبين له مقدار العلم و الفضيلة التي كان الامام يحملها خافه علي ملكه و حسده. فهل حصل مثل ذلك مع الامام الجواد عليه السلام؟

فقال الأب: بعد ما قتل المأمون العباسي بالسم الامام الرضا عليه السلام. أحس بالذنب الكبير الذي ارتكبه. أولا. ثم تبين فشله باخفاء حقيقة السبب الذي توفي جراؤه الامام الرضا عليه السلام عن الناس. حيث بلغ مسامعه أن الناس قد اتهموه في ذلك. و أن كثيرا منهم ما كان لديهم ادني شك في كون المأمون هو الفاعل لذلك. و لكي يبري ء نفسه من ذلك أتي من خراسان الي بغداد. و كاتب الامام محمد الجواد عليه السلام الي المدينة يستدعيه للقدوم عليه بالأعزاز و الأكرام. فورد الامام الجواد الي بغداد. و كان قد أتفق وروده مع خروج المأمون الي الصيد قبل ملاقاته له عليه السلام. فاجتاز المأمون بطرف البلد في طريقه. و كان صبيان يلعبون و الامام الجواد عليه السلام واقف يراقبهم. و كان عمره عليه السلام يومئذ احدي عشر



[ صفحه 244]



سنة فما حولها. فلما أقبل المأمون العباسي انصرف الصبيان هاربين. و وقف أبوجعفر محمد عليه السلام. فلم يبرح مكانه. فقرب منه المأمون فنظر اليه. و كأن الله عزوجل قد ألقي عليه مسحة من قبول. فوقف المأمون و قال له: يا غلام. ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟

فقال له عليه السلام: يا أميرالمؤمنين. لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه لك بذهابي. و لم يكن لي جريمة فأخشاها. و ظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت.

قال الراوي: فأعجب المأمون من كلام الجواد عليه السلام و وجهه. فقال له: ما اسمك؟ قال عليه السلام: محمد. قال المأمون: ابن من؟ قال عليه السلام: يا أميرالمؤمنين. أنا ابن علي الرضا عليه السلام. فترحم المأمون علي أبيه. و ساق جواده الي و جهته. و كان معه بزاة. فلما بعد عن العادة أخذ بازا فأرسله الي دراجه. فغاب عن عينه غيبة طويلة. ثم عاد من الجو. و في منقاره سمكة صغيرة. و بها بقايا الحياة. فتعجب المأمون من ذلك غاية العجب. ثم اخذها في يده و عاد الي داره في الطريق الذي أقبل منه. فلما وصل الي ذلك المكان وجد الصبيان علي حالهم. فانصرفوا كما فعلوا أول مرة. و أبوجعفر عليه السلام لم ينصرف. و وقف كما وقف أولا. فلما دنا منه المأمون قال: يا محمد. قال عليه السلام: لبيك يا أميرالمؤمنين. قال المأمون: ما في يدي؟

قال الراوندي: فالهمه الله عزوجل أن قال: يا أميرالمؤمنين أن الله تعالي خلق بمشيئته في بحر قدومه سمكا صغارا. فتصيدها بزاة الملوك و الخلفاء. فيختبرون بها سلالة أهل النبوة.



[ صفحه 245]



فلما سمع المأمون كلامه عجب منه. و جعل يطيل نظره اليه. و قال له: أنت ابن الرضا حقا. [5] .

و من ساعتها بدأ الحسد يدب في قلب المأمون العباسي. كما كان قد حصل قبل ذلك مع أبيه الامام الرضا علي بن موسي عليه السلام. فتبادر الي ذهن المأمون أن يتخذ معه نفس الخطة التي اتخذها مع أبيه من قبل. و أن كان هناك اختلاف يسير في بعض تفاصيلها. و كأول خطوة خطاها في تحقيق ما رأي: أن زوج ابنته أم الفضل لأبي جعفر محمد بن علي عليه السلام. فاستشاط بعض العباسيين غيظا من ذلك. و استنكروه قبل حدوثه.

فقال الابن الأكبر: و لم اغتاظوا يا أبي و استنكروا تزويج الامام من ابنة المأمون؟

فقال الأب: خافوا أن ينتهي الأمر بالمأمون كما انتهي به مع الامام الرضا عليه السلام. أي أنهم خافوا أن يجعله وليا للعهد مثلما كان قد حصل حين جعل الامام الرضا عليه السلام وليا للعهد. خوفا من أن تخرج الخلافة منهم الي العلويين. و لهذا فقد اجتمع مع المأمون أهل بيته الأدنون و قالوا له: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا. فأنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عزوجل. و ينزع مناعزا البسناه الله. و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم. و التصغير بهم. و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت. فكفانا الله المهم من ذلك. فالله الله.



[ صفحه 246]



أن تردنا الي غم قد انحسر عنا. أصرف رأيك عن ابن الرضا. و أعدل الي من تراه الي أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه. و لو أنصفتم القوم لكانوا أولي منكم. و أما ما كانا يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم. و أعوذ بالله من ذلك. و الله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا عليه السلام. و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه من نفسي فأبي. و كان امر الله قدرا مقدورا. ثم قال المأمون:

و أما أبوجعفر عليه السلام فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل. مع صغر سنه. و الأعجوبة فيه بذلك. و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه. فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا له: ان هذا الفتي و أن رآفتك منه هديه. فانه صبي. لا معرفة له و لا فقه. فأمهله ليتأدب ثم أصنع ما تراه بعد ذلك. فقال لهم المأمون: ويحكم. اني أعرف بهذا الفتي منكم. و أن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالي و مواده و الهامه لم تزل آبائه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال. فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.

فقالوا: قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين. و لأنفسنا بامتحانه. فخلي بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة. فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره. و ظهر للعامة و الخاصة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه. و أن عجز من ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون: شأنكم و ذلك متي أردتكم.



[ صفحه 247]



فخرجوا من عنده. و أجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم. و هو يومئذ قاضي الزمان. علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب. و وعده بأموال نفيسه علي ذلك. و عادوا الي المأمون و سألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع. فأجابهم الي ذلك. فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه. و حضر معهم يحيي ابن اكثم...

ثم قال الأب: الا أن الله أفشلهم. لأنهم ما جعلوا نصب أعينهم ما كان قد أمر به الله تعالي عباده حين أمرهم أن يسألوا أهل الذكر. و كذلك ما اعتبروا بقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حين قال للمسلمين: اني تركت فيكم الثقلين... و انتصر عليهم المأمون برأيه في الجواد عليه السلام و علمه.

فقال الابن الأكبر: و ما كانت اسئلة ابن اكثم يا أبي؟

الاب: سنتحدث عن ذلك في غد ان شاء الله تعالي.



[ صفحه 248]




پاورقي

[1] روي ذلك ابن شهرآشوب في المناقب عن حكيمة بنت الامام موسي بن جعفر عليه السلام.

[2] روي ذلك السيد المرتضي في عيون المعجزات باسناده عن كليم بن عمران.

[3] ذكر ذلك السيد عبدالله شبر في كتابه جلاء العيون ج 3 ص 103.

[4] ذكر ذلك المجلسي. و رواه عنه جمع من العلماء منهم السيد عبدالله شبر في كتابه جلاء العيون ج 3 ص 85 و ذكر في محل آخر عن المجلس أيضا: كان عمره عليه السلام وقت وفاة والده تسع سنين و قبل سبع. راجع ج 3 ص 106.

[5] ذكر الرواية السيد عبدالله شبر في كتابه جلاء العيون ج 3 ص 107 - 106 عن الكشي.