بازگشت

التمهيد


ما ذكر أي من آل البيت النبوي الأطهار حتي ذكر معه كيفية ظلم الآخرين له. و من العجيب أن يتعرضوا لظلم الناس مع وصايا الله تعالي بهم و رسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و الأعجب من ذلك أنهم ما تعرضوا للأذي الا و كان صادرا من اناس حسبوا علي الاسلام و أنهم من أهله.

و من المؤلم للنفس أن نوع الظلم الذي تعرضوا اليه كان يصور الظلم بأبشع صوره. و أبشع طريقة. و أن المطلع علي سيرة المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و ما كان يعانيه من أذي المشركين و قسوتهم لم يبلغ ما بلغه عند ظلم المسلمين لآل البيت عليه السلام.

و لو أردنا التعرف علي الظلم من خلال تعريفه لما استطعنا أن نجد له تعريفا شاملا لجميع أوجهه. الا أنه يكفي أن نقول عنه هو الأعتداء علي حقوق الآخرين و عدم اعطاء كل ذي حق حقه. سواء كان ذلك الحق ماديا أم معنويا.

و يكفينا أن نتعرف علي الظلم كصفة سيئة مذمومة من خلال قول الله تبارك و تعالي حينما قرنه بالشرك فقال جل جلاله: (ان الشرك لظلم عظيم) [1] و بذلك يكون جليا معرفة مرتبة و مقدار



[ صفحه 226]



الظالم. و ما سينال جزاء ظلمه يوم القيامة. و لكي يكون الأمر أكثر وضوحا و معرفة نسترجع قول الله تبارك و تعالي في ايضاح ما يناله الظالم يوم الآخرة بقوله الكريم: (و اذا رءا الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم و لا هم ينظرون) [2] و قوله تعالي: (انما السبيل علي الذين يظلمون الناس و يبغون في الارض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) [3] .

اذا من خلال ما قدمنا يتبين لنا ما سيناله ظلمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و آل محمد عليه السلام. كجزاء علي ظلمهم اياهم. و كذلك فهو جزاء كل ظالم معتد. خصوصا أن كان المظلوم لا يجد عونا علي ظالمه الا الله تعالي.

و هنا يتبادر الي الذهن سؤال يقول: اذا كان هذا جزاء للظالمين فما جزاء من أعانهم علي ظلمهم أو رضي به؟

و للاجابة عن هذا السؤال نستذكر قول الامام الصادق عليه السلام: (العامل بالظلم. و المعين له. و الراضي به. شركاء ثلاثتهم). و قال عليه السلام أيضا: (من عذر ظالما. سلط الله عليه من يظلمه. فان دعي لم يستجب له. و لم يأجره الله علي ظلامته). و من حديث لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال فيه: (شر الناس المثلث. قيل و ما المثلث يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال صلي الله عليه و آله و سلم: الذي يسعي بأخيه الي السلطان. فيهلك نفسه. و يهلك أخاه. و يهلك السلطان).

و من سوء ما أختار البعض لأنفسهم أنهم وضعوا اعذارا. و أحتجوا بحججا. دفاعا عن الذين ظلموا آل البيت الأطهار. فمنهم من قال انه (يعني الذي ظلم) اجتهد فاخطأ. و منهم من قال أن



[ صفحه 227]



تفسير قوله تعالي: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم) أوجبت علي المسلمين طاعة الحاكم حتي و أن كان فاجرا. و أن خروج زيد أو عمر كان خروجا علي الحاكم. و أن قتله كان تبعا لقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حين قال: من خرج علي الجماعة فاقتلوه... و قالوا.. و قالوا... و لو اردنا الرد لجرنا ذلك الي أمور عدة. و لكن نكتفي بأن نقول:

أولا: أن مقياس ايمان المسلم هو مدي طاعته لله جل جلاله و لرسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و الآن نسأل: أي طاعة هي التي أباحت للبعض قتل المؤمنين دون ذنب اقترفوه. ناهيك عن كون هؤلاء المؤمنين من آل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم أو من عامة المسلمين. و كما هو معلوم لدي كل قاري ء للقرآن و متبع لسنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ورود آيات و أحاديث نبوية تنهي عن اذي المؤمنين. و كمثال علي ذلك قوله جل جلاله: (و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و اثما مبينا) [4] .

و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (ألا انبئكم بالمؤمن: من ائتمنه المؤمنون علي أنفسهم و أموالهم. ألا انبئكم بالمسلم: من سلم المسلمون من لسانه و يده. و المؤمن حرام علي المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة).

ثانيا: ان كان مقياس المؤمن هو مدي موالاته لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. تبعا لقوله تعالي: (انما وليكم الله و رسوله و الذين ءامنوا...) فما أظن ان هناك عربي يفسر الموالاة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بقتل آله.



[ صفحه 228]



علما أن بني أمية قد قتلوا من آل البيت أكثر من خمس و ثلاثين نفرا. و أن بني العباس قد قتلوا منهم ستة أمثال ما قتله بني أمية. [5] .

ثالثا: ان كان مقياس المؤمن يقاس بمدي وده لآل بيت النبي. تبعا لأمر الله جل جلاله الذي ورد في قوله تعالي: (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي). فهل كان امتثالهم لأمر الله جل جلاله هذا هو ان يقتلوا و يعذبوا يسجنوا آل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم ناهيك عن الموالين لهم؟

حينما وجد المفسرون لقوله تعالي: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم). أنفسهم في مأزق حين اوجبوا طاعة الحاكم و أن كان جائرا. و أدعوا أن الله تعالي قد عني بأولي الأمر حكام المسلمين. تراجعوا عن ذلك بعض الشي ء و قالوا: ان الحاكم يطاع في كل شي ء عدا الأمور التي يعصي الله تعالي بها.

و الآن نتساءل: علي فرض أن الحاكم لا ينوي سوي العدل و الانصاف. الا أن نيته هذه و أن كانت صادقة كما افترضنا لا توجب الحكم الصواب ما دام هو جائز الخطأ و غير معصوم. هذا اذا كان عالما بالكتاب و السنة. أما أن كان غير عالم بها. و هي صفة كل من حكم المسلمين من غير آل البيت كما نصت عليه كتب التاريخ و سير الرجال. فهنا الطامة الكبري. حيث يلزم علي المسلمين اتباع الحكم الخطأ. ما دام صادرا عن الحكام الذي فسروا أولي الأمر به.

و نتسائل أيضا: أي زمان ابتداء من وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و انتهاء بالغيبة التي كانت للامام الثاني عشر الحجة المنتظر عليه السلام. لم يكن



[ صفحه 229]



موجودا بين المسلمين من حكم الله تعالي و قضي بتطهيره. فلماذا لا يكون هو المعني باولي الأمر الذي أوجب الله تعالي علي المسلمين طاعته. خصوصا و أنه جل جلاله قد طهره من الخطأ و الزلل. ألم يكن ذلك أقرب الي القبول بكثير؟

لنجرد أنفسنا عن الأهواء و النحل و الآراء التي كان عليها الآباء. و نحكم بالعقل مستعينين بما ورد في كتاب الله تعالي و سنة نبيه الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و نستعرض ما جاء فيهما في أي مسلم من المسلمين من مدح و فضل و سابقة و علم. فهل نجد أحدا له ما لآل البيت النبوي عليه السلام من ذكر في الكتاب و السنة النبوية الشريفة؟

فهذا أحمد زيني دحلان يذكر في سيرته حديثا لابن عباس يقول فيه: ما نزل في أحد من الصحابة في كتاب الله ما نزل في علي عليه السلام. نزل في ثلثمائة آية. [6] .

و هذا السبط بن الجوزي قد ذكر في تذكرته شعرا لحسان بن ثابت قال فيه:



من ذا بخاتمه تصدق راكعا

و أسرها في نفسه اسرارا



من كان بات علي فراش محمد

و محمد اسري يؤم الغارا



من كان في القرآن سمي مؤمنا

في تسع آيات تلين غزارا [7] .



و هذا نصر بن مزاحم ذكر في كتابه صفين شعرا لمعاوية بن صعصعة قال فيه:



و من نزلت فيه ثلاثون آية

تسميه فيها مؤمنا مخلصا فردا





[ صفحه 230]





سوي موجبات جئن فيه و غيرها

بها أوجب الله الولاية و الودا [8] .



و هذا ابن حنبل في فضائله المخطوط و الشبلنجي في نور الأبصار ذكرا حديثا لابن عباس قال فيه: ليس آية في كتاب الله. يا أيها الذين آمنوا الا و علي اميرها و شريفها. [9] .



و هذا شمس الدين بن العربي قال في أبيات له:



رأيت ولائي آل طه فريضة

علي رغم أهل البعد يورثني القربا



فما طلب المبعوث اجرا علي الهدي

بتبليغه الا المودة في القربا



و هذا محمد بن طلحة الشافعي له شعرا قال فيه:



يا رب بالخمسة أهل العبا

ذوي الهدي و العمل الصالح



و من هم سفن نجاة و من

و اليهم ذو متجر رابح



و من لهم مقعد صدق اذا

قام الوري في الموقف الفاضح [10] .



و هناك الكثير قد شهدوا لآل البيت بالفضل و الفضيلة الا أن شهادة الله تعالي و رسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم لا تعدلها شهادة حتي و أن كانت من الأنس و الجن جميعا. فمن قول الله تبارك و تعالي فيهم:

(و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا) [11] و قد اخرج الثعلبي عن الامام الصادق عليه السلام قال: نحن حبل الله الذي قال فيه: (و اعتصموا بحبل الله جميعا...) [12] و قد قال الشافعي في ذلك:



[ صفحه 231]





و لما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في ابحر الغي و الجهل



ركبت علي اسم الله في السفن النجا

و هم أهل بيت المصطفي خاتم الرسل



و امسكت حبل الله و هو ولاؤهم

كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل [13] .



و قال تعالي: (انما أنت منذر و لكل قوم هاد) [14] و قد روي عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أنا المنذر و علي الهادي. و بك يا علي يهتدي المهتدون. [15] .

و روي عن الصادق عليه السلام قال: كل امام هاد في زمانه. و قال الباقر عليه السلام: المنذر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و الهادي علي عليه السلام. ثم قال عليه السلام: و الله ما زالت فينا الي الساعة.

و روي عن انس بن مالك قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مخاطبا عليا عليه السلام: انت تؤدي عني و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي. [16] .

و قال تعالي: (و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم) [17] و قد اخرج ابن مردوية في تفسيره: ان المراد بمشاققة الرسول هنا انما هي المشاققة في شأن علي عليه السلام. و أن الهدي في قوله تعالي: من بعد ما يتبين له الهدي: انما هو شأنه عليه السلام.



[ صفحه 232]



و قال تعالي: (و اني لغفار لمن تاب و ءامن و عمل صالحا ثم اهتدي) [18] قال ثابت البناني: اهتدي الي ولاية أهل بيته. و قد أشار ابن حجر الي قول الامام الباقر عليه السلام للحارث بن يحيي: يا حارث. ألا تري كيف اشترط الله و لم ينفع انسانا التوبة و لا الايمان و لا العمل الصالح حتي يهتدي الي ولايتنا. ثم روي بسنده الي جده أميرالمؤمنين عليه السلام قال: و الله. لو تاب رجل و آمن و عمل صالحا و لم يهتد الي ولايتنا و معرفة حقنا ما اغني ذلك عنه شيئا. [19] .

و قال تعالي: (اهدنا الصراط المستقيم) [20] فقد اخرج الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة هذه: قال مسلم بن حيان: سمعت أبابريدة يقول: صراط محمد و آله. [21] و في تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السري عن اسباط و مجاهد عن عبدالله بن عباس قال: قولوا معاشر العباد: ارشدنا الي حب محمد و أهل بيته. [22] .

و هناك الكثير من الآيات و مثلها و أكثر من الأحاديث النبوية الشريفة التي تظهر فضل آل البيت النبوي الاطهار و تحث علي اتباعهم و عدم مفارقتهم. [23] .

و حسبنا قول نقوله جميل. و قد روي أن الامام جعفر الصادق عليه السلام أنشد قائلا:



تنح عن القبيح فلا ترده

.....................





[ صفحه 233]



ثم قال لابنه موسي بن جعفر عليه السلام. و كان صبيا: يا بني تممه. فقال عليه السلام:

ومن اوليته حسنا فزده

فقال الامام الصادق عليه السلام:

ستلقي من عدوك كل كيد

فاجاب الكاظم عليه السلام:

اذا كان العدو فلا تكده

و من دون أن يحس الأب بحركة أو صوت و اذا بأبنائه حوله. فقال الابن الأكبر: بماذا كان الأب العزيز مفكرا؟

فقال الأب: كنت افكر بأموره كثيرة يا ولدي.

فقال الأبن: و ما كان آخر ما فكرت فيه يا أبي؟

فقال الأب: شعرا قاله الامامان الصادق و ابنه الكاظم عليه السلام.

فقال الابن الأكبر: و ما تعني بقولك: قاله الامامان الصادق و الكاظم عليه السلام يا أبي؟

الأب: كان الصدر من قول الامام الصادق عليه السلام. و العجز من قول ابنه الكاظم عليه السلام و كان حينها صبيا.

فقال الابن الأكبر: و ما قالاه يا أبي؟

فقال الأب: قالا عليه السلام:



تنح عن القبيح فلا ترده

و من اوليته حسنا فزده



ستلقي من عدوك كل كيد

اذا كاد العدو فلا تكده





[ صفحه 234]



فقال الابن الأكبر: سبحان الله يا أبي. لم يخرج من فيهم يوما غير الحكمة و العلم و الحلم.

فقال الأب: هم كنوز العلم و الحلم و الحكمة يا ولدي. و اذا فتح الكنز لا يخرج منه سوي ما فيه. و كما يقول المثل: و كل اناء بالذي فيه ينضح.

فقال الابن: حدثنا عن الامام الجواد يا أبي؟

فقال الأب: نعم يا ولدي. سنبدأ حديثنا من هذا اليوم.



[ صفحه 235]




پاورقي

[1] لقمان: الآية 13.

[2] النحل: الآية 85.

[3] الشوري: الآية 42.

[4] الأحزاب: الآية 58.

[5] راجع مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني.

[6] السيرة الدحلانية هامش الحلبية ج 2 ص 13.

[7] تذكرة السبط ص 10.

[8] صفين لنصر بن مزاحم ص 31.

[9] الفضائل لابن حنبل ص 90 و نور الأبصار ص 78.

[10] ذكره الشيخ الأميني في الغدير ج 5 ص 417.

[11] آل عمران: الآية 103.

[12] راجع الصواعق لابن حجر ص 151.

[13] راجع رشقة الصادي لأبي بكر بن شهاب الدين.

[14] الرعد: الآية 7.

[15] ينابيع المودة 99 و الشبلنجي في نور الأبصار 78 و ابن الصباغ في الفصول المهمة و الطبري في تفسيره ج 13 ص 103 و الرازي في تفسيره ج 5 ص 271 و ابن كثير في تفسيره ج 2 ص 502.

[16] حلية الأولياء ج 1 ص 63.

[17] النساء: الآية 115.

[18] طه: الآية 82.

[19] الصواعق لابن حجر ص 152.

[20] الفاتحة: الآية 4.

[21] الكشف و البيان للثعلبي.

[22] تفسير الميزان للطباطبائي ج 1 ص 41.

[23] ان شئت الزيادة راجع كتابنا أميرالمؤمنين عليه السلام في مكة و المدينة.