بازگشت

قرآن و استهجان.. و امتحان لترجمان القرآن


كان تزويج بنت المأمون من الامام الرضا عليه السلام تجربة ناجحة للفتك بالامام.

فليكررها ذلك «المأمون» مع ابنه الجواد عليه السلام، ليصل به الي ما وصل اليه مع أبيه.. من قتله و بكائه!.

فقد عرف أنه يمكن أن يكون هذا الصبي مل ء مركز الولاية منذ طراوة عوده؟.

و أنه كانت له شخصية «الامام» و هيبة «خليفة رسول الله» صلي الله عليه و آله و سلم، و علمه و معرفته بالقرآن و السنة..

ثم خاف أن يحس المسلمون «بوجوده» و بكونه حجة لله علي الأرض..

اذ عرف مميزاته عن الآخرين من فقهاء زمانه؟!!

هذه أمور أخذت تراود ذهن الخليفة «القناص» الذي كان نيقدا فذا لا تجد أمهر منه اذا وقف علي و ضم التشريح..

و لكن المأمون - بزعمي - كان «غير مأمون» حتي علي عقيدته التي كان يدين الله تعالي بها!. فقد كان مسلما يعبد ربه علي حرف، و خليفة أعمي بصيرته الملك..



[ صفحه 194]



و ها هو قد قطع يقينه أن الجواد امام و ان كان صغيرا - لأنه يراه - فيما بينه و بين نفسه - مصداقا لما قاله سيد الشعراء - المتنبي:



و تسعدني في غمرة بعد غمرة

سبوح، لها منها، عليها شواهد



حيث ان الوقائع تزدحم علي فكره فيضيق بها، و تتوالي علي خاطره فيعجز عن احتوائها، و تنثال علي قلبه فيحار.. و يقع وسط اعصار!.

فقد مررت - يا قارئي - بآيات بينات أتي بها الامام عليه السلام عبر مراحل طفولته، و صباوته، و فتوته - و ستمر بأكثر تحت عنوان مستقل - و هي ان دلت فانما تدل علي طفل ذي عجائب. و صبي - غلام ذي غرائب، و فتي ذي معاجز لا يتيسر تعليلها الا عن طريق الايمان بالله قادرا، مقدرا حكيما.. و كلها لم تخف علي المأمون ذي الذكاء الوقاد..

سمع أنه - رضيعا - يكلم الناس في المهد، فيبهر السامعين.

و أنه - قبل السنتين من عمره -.. يقرأ رسائل أبيه عليهماالسلام، و يعمل بمقتضاها في مجاله الاجتماعي.

و أنه حين يدرج نحو الفتوة، لا تأخذه الصبوة و طيش الغلمان، بل يتصدر مجلسه الذي يدلف اليه مشايخ بني هاشم و غيرهم من الأعيان و الفقهاء.. فيقول فيهم، و قوله فصل، و يحكم فحكمه الحق، و يزار كما يزار أكابر الأكابر، و يزن المتكلمون بين يديه كلامهم وزن من يفقد الثقة بنفسه في حضرة امام..

و أنه اذا خرج من بيته الي رحاب الحياة الاجتماعية، خرج بحرا زاخرا يتدفق العلم من حافتيه، و تدور بلاغة القرآن علي لسانه و شفتيه، فيري عدل القرآن.. و تستوي له أحكام السنة، فيخال أنه المشرع من لدن الرحمان!.

و لا تعجب.. فانه أعجب.

و أنا - حين أبذل قصاري جهدي و جل ما عندي من نعت و بيان - أبقي دون ما يمكن أن يقال فيه.

اذ لا يمكن أن يقال فيه، حقيقة ما هو فيه..



[ صفحه 195]



و لا يدرك الفهم، و لا القلم، شأو ما هو عليه،

لأن أفعال الله تعالي، لا يقدر شارحها علي شرحها بأكثر من الميسور.

فمذ دخل الامام الفتي عليه السلام بغداد في عهد أبيه - و هو في السادسة من عمره [1] - لم تخف مواهبه علي أحد، فضلا عن أنها لم تخف علي «الخليفة المأمون» الذي كان من أفهم أهل زمانه و أذكاهم.. فرصد ابنته «أم الفضل» له من ذلك الحين!.

ثم ألتقاه «الخليفة» بعد ذلك بسنتين - عقيب و وفاة أبيه - واقفا مع صبيان من أبناء جيله، حين كان بطريقه الي الصيد في بعض رحلات لهوه و زهوه..

و مذ عرفه أخذ علي نفسه أن يحتويه من أول عهد تفتحه ليسد عليه آفاق الظهور و منافذ الانطلاق في ممارسة «وظيفته» التي اختاره الله تعالي لها، و منحه جميع مقوماتها و مستلزماتها.. ذاك أن ديدن المأمون لم يتغير من مناصبة العداء للهاشميين «لقطع» نسل بيتهم الذي لا بد أن يرهص عن «مهدي» يقطع دابر الظلم، و يبيد الكفر، و يقيم حدود الله بعد أن تندرس علي أيدي «خلفاء» رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الحائدين عن شرع الله الذي نزل في قرآنه و سنة نبيه، بدءا من الأمويين و العباسيين، و انتهاء بمن خلفهم و يخلفهم.

نعم.. منذ وقف الامام الفتي - عملاقا خطيرا خطرا - في طريق المأمون و رجال حاشيته - بعد أن فر الصبية و هربوا من طريقه - قرر الخليفة الوقوف في طريق «امامته» التي عرفها من فم أبيه الرضا عليه السلام قبل ذلك ببضع سنين..



[ صفحه 196]



ذلك أنه قد «اجتاز المأمون بابن الرضا عليه السلام - بعد موت أبيه، و هو دون الثامنة من عمره - و كان في الطريق، فقال المأمون: مالك لا هربت في جملة الصبيان؟.

قال: مالي ذنب فأفر منه، و لا الطريق ضيق فأوسعه عليك. سر حيث شئت.

فقال: من تكون أنت؟.

قال: أنا محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

فقال: ما تعرف من العلوم؟!

قال: سلني عن أخبار السماوات.

فودعه و مضي - و في نفسه شي ء.. و في صدره غليان - و كان علي يده باز أشهب يطلب به الصيد.

فلما بعد عنه نهض عن يده الباز، فنظر يمينه و شماله فلم ير صيدا، و الباز يثب عن يده.

فأرسله فطار يطلب الأفق حتي غاب عن ناظره ساعة، ثم عاد اليه و قد صاد حية.

فوضع الحية في بيت الطعم و قال - أي المأمون -: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي.

ثم عاد و ابن الرضا عليه السلام في جملة الصبيان، فقال: ما عندك من أخبار السماوات؟.

فقال عليه السلام: نعم، يا أميرالمؤمنين. حدثني أبي، عن آبائه، عن النبي، عن جبرائيل، عن رب العالمين أنه قال:

بين السماء و الهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج، فيه حيات خضر البطون رقط الظهور، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، يمتحن به العلماء - أي الأئمة -.

فقال: صدقت، و صدق أبوك، و صدق جدك، و صدق ربك. فأركبه، ثم



[ صفحه 197]



زوجه أم الفضل» [2] .

و روي ابن حجر الهيثمي هذه القصة في كتابه: الصواعق المحرقة - الذي كتبه للرد علي معتقدات الشيعة الامامية بالخصوص - علي الشكل التالي:

«و مما اتفق أنه بعد موت أبيه بسنة واقف و الصبيان يلعبون في أزقة بغداد، اذ مر المأمون ففروا و وقف محمد و عمره تسع سنين. فألقي الله محبته في قلبه فقال له:

يا غلام، ما منعك من الانصراف؟.

فقال له مسرعا: يا أميرالمؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك، و ليس لي جرم فأخشاك، و الظن بك حسن أنك تضر من لا ذنب له.

فأعجبه كلامه و حسن صورته فقال له: ما اسمك و اسم أبيك؟.

فقال: محمد بن علي الرضا.

فترحم علي أبيه و ساق جواده. و كان معه بزاة للصيد، فلما بعد عن العمار أرسل بازا علي دراجة، فغاب عنه ثم عاد من الجو في منقاره سمكة صغيرة و بها بقاء الحياة فتعجب من ذلك غاية العجب. و رأي الصبيان علي حالهم و محمد عندهم، ففروا الا محمدا. فدنا منه و قال له: ما في يدي؟.

فقال: يا أميرالمؤمنين، ان الله تعالي خلق في بحر قدرته سمكا صغارا يصيدها بازات الملوك و الخلفاء، فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفي.

فقال له: أنت ابن الرضا حقا. و أخذه معه و أحسن اليه و بالغ في اكرامه فلم يزل مشفقا به لما ظهر له بعد ذلك من فضله و علمه، و كال عظمته، و ظهور برهانه مع صغر سنة» [3] .

فقول المأمون: أنت ابن الرضا حقا، يدل علي أنه تأكد من أنه وارث أبيه في الامامة، و أحد أهل بيت النبوة المرصودين - من لدن الله تبارك و تعالي - «لولاية» أمور الناس بعد رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم.



[ صفحه 198]



و قد كان يعلم أنه ابن الرضا حقا و حقيقة من حيث البنوة.. و يشك - الي حد - في كونه ابنه المختار لمواريث السماء. فاتضح له ذلك بالبرهان.. فليأخذه اليه بكلتا يديه لئلا يفلت من «قبضته الحديدية» و الفرصة مؤاتية «لأسره» و النظر في أمره!.

و ليكرر معه الدور الذي مثله مع أبيه: من حب له فاض به قلبه فجأة..

الي تقريب، فاكرام، فانعام،

فالي ترويج، فتزويج «فولاية تهريج»..

يتبعها قتل في نهاية المطاف.. يدل علي ذلك قوله:

«قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي»!.

أي أنه سيلحقه بأبيه الذي لقي علي يديه الشذا و الأذي..

و نحن لا نخترع و لا نبتدع، و لا نحرف.. بل نورد ما قاله، و ندينه من فمه.

و الا فما تفسير هذا الحب الذي تفجر من قلب «خليفة كبير» لصبي صغير وقف ناظرا للعب أترابه؟!.

ثم ما معني شغفه به و هو ابن ضرة بنته «الأميرة العاقر» بنت أميرالمؤمنين؟!!».

فوالذي برأ النسمة ما أحب قلب رجل ابن ضرة بنته العاقر، و الضرة أم ولد - مملوكة.. فكيف و بنته سلطان البلاد و حاكم العباد!. اللهم الا اذا كان حبه له توليا له و اعترافا بامامته المفروضة من السماء، المنصوصة من خاتم الأنبياء، و هذا ما يبعد عنه المأمون بعد الأرض عن السماء.

ربما كانت نباهة الصبي قد اجتذبت قلب المأمون.. و لكن رغبته في تطويقه - قبل أن تبعده عنه الأقدار - قد شدته اليه.. فأحب فيه هذا النبوغ المتفتح؛ و من الحب ما قتل.. المحبوب!.. و ما يجول في صدور بعيدي النظر - كالمأمون - أمر يؤبه له.

كما أن قول المأمون «للامام الفتي»: «صدقت و صدق أبوك و صدق جدك» هو تكذيب سافل، مبطن بتصديق سافر، و لا يحمل غير معني التكذيب له و لأبيه



[ صفحه 199]



و لجده «ضمنا» اذ أنه يخطط للبعيد البعيد.. أي ليوم يقتل فيه «الامام الفتي» و يعتبر بريئا من دمه «علنا» براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.

و المأمون هو ابن أبيه.. و هو من الزمرة المتربعة علي كرسي الحكم و الظلم، ترصد كل ما يناوي ء دعوتها، و يهدد كيانها، و يهدم مستقبلها.. و هو أمهر الراصدين.. و أكثر حنكة من أبيه و اخوته لأنه ذو أحابيل و ذو عقابيل.

و قد يسأل سائل عما حمل الامام عليه السلام، علي الاذعان للأمر الواقع، و الانقياد الي أمر يعرف عقباه؟. أو كيف مشي الي مصير هو عالم حق العلم بأنه ملاقيه؟

و هل يقتنع عاقل بأن «اماما» عارفا، يمضي مع عدوه الي آخر الشوط الذي يعلم نهايته؟.

هذه التساؤلات - و ما شابهها - في غاية الوجاهة. و هي تستحق العناية و الاجابة عليها لولا أنه «امام» و حجة علي الخلق، مضي علي ما مضي عليه جده أميرالمؤمنين عليه السلام حين برز الي مضجع قتله في مسجد الكوفة، و جده الحسين علي السلام يوم خرج الي مصرعه في كربلاء، و غيرهما من آبائه الذين اجترعوا السم، و كلهم - كلهم - عالمون بذلك، مذعنون لمشيئة الله عز و جل.

فالأئمة محل بلاء الله و اختباره، كرسله.. ابتلي بهم الظالمون، و امتحن أصحاب الظنون، و ظل عن معرفة سرهم و فلسفة تصرفاتهم الجاهلون. و قد قال امامنا نفسه عليه السلام:

«الصبر علي المصيبة، مصيبة عند الشامت بها» [4] .

فأجاب بقوله هذا علي خلفية السلبيات في هذه التساؤلات التي تزدحم في أذهان جهلة أمره، و محا بقوله علامات الاستفهام و شارات التعجب التي ترتسم في مخيلات



[ صفحه 200]



الشاكين و المرتابين، حين يرونه صابرا علي العيش مع أعدائه، ذهابا من السلطان المتربع علي قمة هرم العداوة، و وصولا الي زوجته التي يفترشها الأرض - في سفح الهرم - و هو يعلم أن «ذاك» أو «هذه» أو «هما معا» سيقتلانه.

انه ولي لله يغيظ نفوسهم، و يجثم علي صدورهم.

و ترتعد منه فرائصهم، و تتقلقل أركان سلطانهم حين لا يداريهم في الجهر بالحق!.

ثم يبوؤون بالخزي، و العار، و الشنار.. و النار، و غضب الجبار، حين تتلطخ أيديهم بدمائه الزكية.. و يكون بينهم اماما.. و يموت بأيديهم اماما.. و يبقي اماما، و حجة لله و وليا له «حيا و ميتا»..

فهم - معه - حائفون!. و هم - بعد قتله - معتدون - ظالمون.. يحيون و جلين.. و يموتون خاسرين للدنيا التي لم يخلدوا فيها، و للدين الذي ضيعوه، و للآخرة التي هم في موقفها سامدون حيث (لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل)! [5] فيتلقاهم (ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، و يفعلون ما يؤمرون) [6] .

فالسياسة التي كانت متبعة مع الهاشميين من قبل الحكم الاسلامي لم تتبدل منذ لحوق النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالرفيق الأعلي. و هي سياسة افقار و تضييق يؤدي أولا الي الاقامة الجبرية أو الحبس، ثم ينتهي بالعنف الذي يصل الي القتل، حتي لكأن ذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم كانت غريبة عن الاسلام، عدوة للمسلمين، محاربة لرب العالمين، أو لكأنها دخيلة علي الاسلام من الترك أو الديلم!. لا بل ان الترك و الديلم قد تحكموا ببعض الخلفاء، و لعبوا بعروشهم، و عزلوا و ولوا من أرادوا، و صرفوا المآل، و قتلوا الرجال، و قادوا الجيش و حكموا الناس و زووا الخليفة في قرنة قصره حتي قيل فيه:



خليفة في قفص

بين «وصف» و «بغا»



يقول ما قالا له

كما تقول الببغا!.





[ صفحه 201]



في حين أن الاسلام لم يفرق بين عربي و عجمي، تركيا كان أو ديلميا، هنديا أو صينيا، شرقيا أو غربيا.. فياليت البيت الهاشمي كان تركيا أو ديلميا!. اذن للقي من المسلمين خيرا مما لقي، و لعاش أهل البيت عليهم السلام مسلمين مع المسلمين، و لكانوا في منجي من ظلم الحاكمين المسلمين!.

أفكان هذا جزاء محمد صلي الله عليه و آله و سلم في عترته - أهل بيته؟!!

قد طلب النبي صلي الله عليه و آله و سلم من المسلمين أن يوادوا قرابته.. فحادوهم!.

و أوصي أن يحفظوه بحفظهم.. فقتلوهم!.

و رغب في حبهم.. فقلوهم و أبغضوهم!.

و ركز - طيلة عهد رسالته و دعوته - علي توليهم.. فأنكروهم، «و أبعدوهم»!

فكيف تتلقي مسلميك في يوم الدين، أيها الرسول الأمين؟؟

صدقوني أن الجواب لا يخفي علي أحد..

و بهذا المنطق - و من هذا المنطلق - خطب الخليفة الامام لنفسه قبل بنته، سواء أشغفه حبا أم مجه كرها..

فقربه و أدناه،

و حدب عليه وراعاه،

و صار اذا كلمة تفداه!.

ثم تعشقه كما تعشق أباه، و رفعه علي سائر فقهاء عصره، و علي أقرب المقربين في قصره، بعد أن رأي فيه «الولد» الموعود الذي كان ذكره يدور علي لسان أبيه الرضا عليه السلام، فاكتنفه - علنا - ليبعده عن أي تطلع شعبي أو أي نشاط اجتماعي، سرا و جهرا.

ثم (فكر - مغيرة ذلك العصر - و قدر،

فقتل كيف قدر - لهذا الامام الفتي -.

ثم قتل كيف قدر - قتله كما قتل والده،

ثم نظر - متأملا بمستقبل الفتي -



[ صفحه 202]



ثم عبس و بسر) [7] حين قدر أنه فتي حري باستقطاب الناس!.

فتصيد فكره - اللاهث وراء اجتثاث أصول هذه الأسرة الشريفة - أمرا خطيرا..

اذ قرر تجنيد المرأة مرة أخري بزفاف ابنته الصغري للامام الفتي، كما جند أختها الكبري لأسر أبيه و اغتياله داخل بيته، قبل أن يخرج الي المجتمع و يستقطب المسلمين...

و ان سربال «ولاية العهد» - الذي خلعه علي «الأب» حين أراد، و نزعه حين شاء - لا يزال محتفظا به..

فليلبسه «للابن» بعد احكام خطة الزواج أولا..

فقد تعلق بالامام «الأب» من قبل.. و أدناه،

و قربة.. «فولاه»! ثم أبعده.. و نحاه..

و لحق به، و قدم له العنب المسموم، فأراده، في منفاه!.

و بكاه بدموع التماسيح.. و تفداه!!! [8] .



[ صفحه 203]



نعم، جاء دور المرأة - حبالة الشيطان و أبرع جنوده!.

و بواسطتها يربح «خليفة العصر» المعركة من أحد طرفيها:

فاما أن يصير الامام صهرا مواليا للعرش فلا يرفع ناظره الي ما فوق حاجبيه، و يرضي بأن يقبع في يثرب مغمورا بهدايا العرش و عطاياه.. و هذا مستحيل.

و اما أن تقوم «السفيرة الصغيرة» بالوظيفة التي أعدت لها «أختها الكبيرة!». فتدوف السم للامام في الشراب أو الطعام، و ينتهي الفصل الثاني من رواية «المأمون» مع الأب و الابن، علي يدي الأخت و أختها: الابليستين الرجيمتين!.

و مذ أذاع الخليفة السر - و الامام دون التاسعة من عمره - فار التنور.. و التهبت الصدور،

و ورمت الأنوف، و أخذ دم العروق بالغليان.. و أوشك أن يثور البركان!.

فما في كل مرة تسلم الجرة..

و لا العباسيون يأمنون لدخول هاشمي قوي الي قصر الخلافة من جديد بعد أن تخلصوا من «ولاية العهد» للرضا عليه السلام..

فلا بد - اذن - من معارضة «الخليفة» في الزواج الجديد!.

.. و لن أدع صبر القاري ء ينفد بانتظار معرفة ما جري.

بل سأنقله الي ذلك الجو ليري الصورة التي وصفها ابن شبيب الريان، و علي بن ابراهيم الهاشمي، بقولهما:

«غلظ الأمر - أمر الزواج - علي العباسيين و استنكروه،

و خافوا أن ينتهي الأمر مع المأمون الي ما انتهي مع الرضا عليه السلام من «الولاية».

فخاضوا في ذلك..

و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون فقالوا:

يا أميرالمؤمنين، أتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله، و لا يعرف



[ صفحه 204]



فريضة من سنة، و لا يميز بين الحق و الباطل؟!. فلو صبرت عليه حتي يتأدب و يقرأ القرآن، و يعرف فرضا من سنة.

فقال المأمون: و الله انه لأفقه منكم، و أعلم بالله و رسوله، و سننه و فرائضه و حلاله و حرامه منكم، و أقرأ لكتاب الله، و أعلم بمحكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و ظاهره و باطنه، و خاصه و عامه، و تأويله و تنزيله منكم!. فاسألوه، فان كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم في أمره، و ان كان الأمر كما قلت، علمتم أن الرجل خير منكم.

فقالوا: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عز و جل، و ينزع منا عزا قد ألبسنا الله!. و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم و التصغير بهم.. و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا - عليه السلام ما علمت، فكفانا الله المهم من ذلك. فالله الله أن تردنا الي غم قد انحسر عنا!. و اصرف رأيك عن ابن الرضا، و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه. و لو أنصفتم القوم لكانوا أولي منكم.

و أما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعا للرحم، و أعوذ بالله من ذلك!. و الله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا عليه السلام. و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه عن نفسي، فأبي، و كان أمر الله قدرا مقدورا.

و أما «أبوجعفر» فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل، في العلم و الفضل، مع صغر سنه، و الأعجوبة فيه بذلك!. و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا: ان هذا الفتي، و ان راقك منه هديه، فانه صبي لا معرفة و لا فقه. فأمهله ليتأدب، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال المأمون للائميه: ويحكم!. أما علمتم أن أهل هذا البيت ليسوا خلقا من



[ صفحه 205]



هذا الخلق؟. أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما طفلان؟. أو لم تعلموا أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟!!

ويحكم!. اني أعرف بهذا الفتي منكم. و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالي و مواده و الهامه.. لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب، عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال. فان شئتم فامتحنوه بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله [9] .

قالوا: قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه. فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب من ذلك في معناه» [10] .

- و سكتوا عند هذا الحد.. و صمتوا،

و صمت المأمون بعد هذا المواجهة الشرسة،

وخيم جو الجدية الذي يعلم الله تعالي - وحده - ما يتمخض عنه ذلك الامتحان من نتائج.

و لكن الله غالب علي أمره،

و الحق أبلج.. يعلن عن نفسه.. و قد تهيأ الأمر لظهور مواهب الله تبارك و تعالي لأهل هذا البيت الكريم المبرئين من كل دنس!.

«و قد قال المأمون لجماعته بعد اطراقة قصيرة:

شأنكم و ذلك متي أردتم» [11] .



[ صفحه 206]



فانفرط عقد المجلس المنافق.. و اجتمع رأي «أبالسته» علي مسألة يحيي بن أكثم - الذي كان يومئذ قاضي القصر - علي أن يسأل الامام أباجعفر عليه السلام مسألة لا يعرف الجواب فيها.

و كان ذلك.. و وعدوه بأموال كثيرة.. و بهدايا نفيسة علي مبادرته.

ثم رجعوا الي المأمون و طلبوا منه أن يعين لهم يوما للمناظرة - الامتحان فأجابهم الي ذلك.

و قد قدر الله تبارك و تعالي اظهار حجته في أرضه:

عملاق حق.. بين أقزام باطل.

و تعين الموعد زمانا و مكانا..

و في قصر الخلافة - في الوقت المقرر - جي ء بالطبخة و الطهاة.. و علي رأسهم شيخ الطباخين - رئيس قضاة البلاط اللواط.. [12] .



[ صفحه 207]



و لكن «الشيخ» لم ينعم بالرئاسة طويلا،

لأن هيبة الامام عليه السلام محت «مشيخته»، و كسفت بياض عمامته، و مسحت هالة قداسة الدين عن وجهه.. و مسخت جثة قاض نبت لحمه علي أطايب القصر.. فذاب ورم الشحم، و تقوقع الهيكل الخاوي في قرنة!.

و برد و هج الغرور.. من صدور شهود الزور!.

اذ أشرقت طلعة أبي جعفر عليه السلام علي المجلس و من فيه من الكبراء.. و هو ابن تسع سنين و أشهر معدودة.. فاهتز المجلس و من فيه.. و اصطفقت أركانه و اضطرب ايوانه.. الي أن استقر الامام في صدر المكان، علي فراش وثير بين مسورتين..

فبدا مهيبا، شامخا، ذا رزانة و وقار، و هيبة ليست لغير الأنبياء!.

فجمد دم الحاضرين.. و أخذهم مثل الافكل.. بين يدي ذلك «السيد العزيز.. و قروا قرار العبيد»!.

و جلس المأمون - متأدبا - في دست متصل بدست الامام عليه السلام.

وقعد «قاضيهم» مطأطي ء الرأس.. كاسر النظر - بين الشهود العدول - و لم يرتفع نظره الي سدة الممتحن المسؤول.. الي أن أشير له، فقال بصوت متهدج:



[ صفحه 208]



«يأذن لي أميرالمؤمنين أن أسأل أباجعفر عن مسألة؟.

فقال المأمون: استأذنه في ذلك.

- فازدادت الهيبة و الرهبة.. و تعقد الموقف، و تغضنت الجباه الناقمة.

فتوجه يحيي بن أكثم الي الامام عليه السلام و قال: أتأذن لي، جعلت فداك، في مسألة؟.

فقال أبوجعفر عليه السلام: سل ان شئت.

قال يحيي: ما تقول، جعلت فداك، في محرم قتل صيدا؟.

فقال الامام عليه السلام، علي البديهة:

قتله في حل أو حرم؟.

عالما كان المحرم، أو جاهلا؟.

قتله عمدا، أو خطأ؟

حرا كان المحرم، أو عبدا؟.

صغيرا كان، أو كبيرا؟.

مبتدئا بالقتل، أو معيدا؟.

من ذوات الطير كان الصيد، أم من غيرها؟.

من صغار الصيد، أم من كبارها؟.

مصرا علي ما فعل، أو نادما؟.

في الليل كان قتله، أم في النهار؟.

محرما كان بالعمرة اذ قتله، أو بالحج كان محرما» [13] .

ففرع عن السؤال أحد عشر اشكالا تقتضي حوالي عشرين فتوي ربما كان جناب «القاضي» لا يعرف الا بعضها القليل.



[ صفحه 209]



و لذلك أخذ سربال الجلالة ينكشط عن حضرة القاضي،

و أخذت «صرر المال» الموعود بها، تذوب تباعا أمام ناظريه،

و أرتج عليه برتاج صفيق.. و بان في وجهه العجز و الانقطاع..

و لجلج «قاضي الأرض» حتي بان لأهل المجلس عجزه و جهله بين يدي «قاضي السماء»!.

و خنس جهل قضاة السلاطين الحاكمين.. أمام علم قاضي أحكم الحاكمين!.

و بؤسي لشهود الزور،

و نعمي للذرية التي زكاها الله بالتطهير!.

.. فقال المأمون - بعد استغلاق القول علي قاضيه، و بعد انبهار أعوانه و ذويه -:

«الحمد لله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي.

ثم نظر الي أهل بيته «الكرام» و قال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟!!

ثم أقبل علي أبي جعفر عليه السلام، فقال:

أتخطب يا أباجعفر؟. اخطب لنفسك جعلت فداك، و أنا مزوجك أم الفضل - ابنتي - و ان رغم قوم لذلك!.

فقال عليه السلام: نعم، يا أمير المؤمنين» [14] .

و في صبيحة اليوم التالي روي الخليفة في مجلسه، و رجال حاشيته من حوله - و كان يتصدر المجلس الفتي العريس.. نعم العريس في ذلك العمر المبكر - فافتتح الخليفة الكلام بقولة بليغة فوجي ء بها الحاضرون، و اضطربت لها الأسرة العباسية، اذ قال:



[ صفحه 210]



«الحمد لله الذي تصاغرت الأمور لمشيئته،

و لا اله الا الله اقرارا بربوبيته،

و صلي الله علي محمد عبده و خيرته.

أما بعد:

فان الله جعل النكاح الذي رضيه لكمال سبب المناسبة.

ألا و اني قد زوجت «زينب» ابنتي من محمد بن علي بن موسي، الرضا. و أمهرناها عنه أربعمئة درهم»

فخيم وجوم هائل علي الحضور.. و صعقوا للمفاجأة!.

.. و قطع الوجوم نهوض العريس الفتي ليقول:

«الحمد لله اقرارا بنعمته،

و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته.

و صلي الله علي محمد سيد بريته، و الأصفياء من عترته.

أما بعد:

فقد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: (و أنكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم، ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، و الله واسع عليم) [15] .

ثم ان محمد بن علي بن موسي، يخطب أم الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد. و هو خمسمئة درهم جيادا. فهل زوجتني يا أميرالمؤمنين بها، علي هذا الصداق المذكور؟.

فقال المأمون:

نعم قد زوجتك يا أباجعفر أم الفضل ابنتي علي الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟

قال أبوجعفر عليه السلام:



[ صفحه 211]



قد قبلت ذلك و رضيت به» [16] .

و هجمت مظاهر الأفراح.. حين انفجر بركان آخر.. من نوع آخر، ذي طغيان،

اذ برزت معالم العرس الملوكي..

و انطلقت حناجر خدم القصر تقلد الملاحين،

اذا جروا في باحة القصر سفينة مصنوعة من الفضة،

مشدودة بحبال من الابريسم.. تسير علي عجلة.. و هي مملوءة بالطيب و العطور.فأمر المأمون الخاصة بالتطيب.. ثم أمر من بعدهم العامة بذلك.

و تلا ذلك تقاطر الي ما حول الموائد الشهية، و الولائم الفاخرة التي صفت في ردهات القصر، فأكل الجميع بعد أن تطيبوا و تعطروا.

ثم خرجت بعد الفراغ من الأكل، هدايا و جوائز لتوزع من الغد بحسب مراتب الناس و أقدارهم.

.. و اذ حان الموعد، اجتمع الناس و سائر القواد و الحجاب، و الخاصة و العامة، للتهنئة و التبريك.. فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة.. فيها بنادق مسلك و زعفران.. معجون في أجوافها رقاع مكتوبة:

بأموال جزيلة،

و عطايا سنية،

و اقطاعات عقارية..

أمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة يخرج الرقعة التي فيها، و يفوز بما كتب له في الصك!.



[ صفحه 212]



ثم وضعت البدر.. فنثر ما فيها علي القواد و غيرهم،

فانصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا،

ثم فاضت أريحية المأمون فتقدم بالصدقة علي كافة المساكين،

و كان عرس.. قل نظيره في العالمين» [17] .

أجل، كان عرس تجلي فيه البذخ و السرف،

و فاض فيه السرور، و الحبور،

و كان قران امتحان.. لسفير الرحمان.. و ترجمان القرآن!.

و ثم زواج نادر المثال في مراسم الفخامة و الضخامة و الأبهة و البذخ و البذل غير المحدود!.

و ما دري أحد - غير الامام عليه السلام - أنه تم اغتيال الامام، و وضع في قفص - هو بالحقيقة - للاتهام، و ان كان ذهبي الاخراج!.

ذاك أن القران - بحد ذاته - كان قران لعبة سياسية مفضوحة، ينتظر المأمون أن يجي ء فيها حساب الحقل علي حساب البيدر!.

و أنه امتحان فقهي، ذهبت فيه تخمينات عباسيي الخليفة أدراج الرياح،

اذ كان امتحانا خلقيا.. سقطت في خلقية الحكم، و فقاهة قضاة القصر.

بل هو امتحان انساني.. رسب فيه «سيد القصر».. و ارتفع فيه الامام الي مصاف الصفوة من الأولياء، و الأنبياء، و الرسل!.

لأنه دخل الي قصر الظلم.. ليفضح الظالمين..

أما ذنب الامام - و مبرر اغتياله - فهو كونه اماما «يقينا» من أئمة أهل البيت



[ صفحه 213]



الهاشمي الألي تولي الحاكمون ابعادهم عن الناس، و عزلهم عن مراتبهم.. بالقتل!.

و الذي يلفت النظر في مظاهر هذا العرس، أن «خليفة المسلمين» يبذر «مال المسلمين» و يهب أرض خراج المسلمين الي القواد و الأعوان و الممكنين له سلطانه، في حين «أن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كان يكنس «بيت المال» كل يوم جمعة - بعد أن يكون قد قسم جميع ما فيه علي مستحقيه، و حرم نفسه -،

ثم ينضحه بالماء بعد الكنس،

ثم يصلي فيه ركعتين،

ثم يقول: تشهدان لي يوم القيامة» [18] .

فلم يكن أميرالمؤمنين عليه السلام ليستأثر بشي ء من «مال المسلمين» لنفسه بل لم يكن يدع يوم الجمعة التالي يأتي و في «بيت المال» شي ء، و في الناس ذو حق..

و ما قسم المال علي الحاشية و لا علي الأقرباء أيها «المأمون» علي أموال الأمة، و لا علي الأعوان!.

و ما من أحد في المخلوقين يملك ناصية الايمان الا الامام عليه السلام،

لأنه النبراس السماوي الذي يستضيي ء به رواد الاسلام و الايمان في أرض الله.

و مضي نهار العرس قصيرا.. لأنه ضاق بما جري فيه من معالم الفرح!.

و لكنه لم تغب شمسه الا و قد أصبح الخيط بأيدي النساء.. و النساء اذا أمسكن خيوط الحبك، و وقفن علي خط الأحداث، أحكمن لعبة التحريك!.

فسريعا ما نهضت عمة العروس رافعة رأسها.. بارزة الي الميدان، لتمارس حبكة النسوان.. فأرسلت بياسر - خادم القصر المقرب - ليستأذن علي الامام العريس و يقول - بحسب رواية أبي هاشم بن القاسم الجعفري -:



[ صفحه 214]



«يا سيدنا، ان سيدتنا أم جعفر - أخت المأمون - تستأذنك في المصير الي «ستتا» أم الفضل.

فقال الامام - عليه السلام - للخادم -: قل لها: أقبلي علينا بالرحب و السعة.

و وافت أم جعفر، فاستأذنت عليه قبل استئذانها علي أم الفضل، و دخلت فسلمت عليه و استأذنته في الدخول علي زوجته.. ثم ما لبثت أن عادت اليه و قالت له:

يا سيدي، اني أحب أن أراك مع ابنتي في موضع واحد، فتقر عيني و أفرح، و أعرف أميرالمؤمنين اجتماعكما، فيفرح.

فقال - عليه السلام -: ادخلي، فاني علي الأثر.

فدخلت. و دخل الامام عليه السلام، و الستور تشال بين يديه..

ولكنه، ما لبث أن خرج راجعا و هو يقول: (فلما رأينه أكبرنه!.) [19] ثم جلس.

و خرجت العمة - مذعورة للمفاجأة - تتعثر بذيول الخيبة لفرط الدهشة، ثم قالت: يا سيدي، أنعمت علي بنعمة لم تتمها بالجلوس؟!.

فقال عليه السلام: (أتي أمر الله فلا تستعجلوه..) [20] انه حدث ما لا يحسن معه الجلوس، فارجعي الي أم الفضل فاستخبريها عنه، فانه من سر النساء.

- ذلك أن العروس أخذتها الدهشة من هيبة الامام عليه السلام، وصعقها جماله و شعاع هالة النور المحيط بطلعته المشرقة، فجاءها ما يجي ء النسوان في غمرة هذه المفاجأة المذهلة، و أصابها ما أصاب «صويحبات يوسف» عليه السلام من قبل.. فتقطعت نياط قلبها و حدث ما لا حكم لها عليه!.

و دخلت عليها العمة، و عادت خائبة.. لأن العروس اعترفت لها بما قاله عنها الامام عليه السلام، و قالت: يا عمة، و ما أعلمه بذاك مني؟!!



[ صفحه 215]



فقالت لها: و ما هو يا بنية؟. ظننت أنه رأي في وجهك كرها، فرجع!.

قالت: لا و الله يا عمة ما رأي كرها.. و لكن، كيف لا أدعو علي أبي و قد زوجني من ساحر؟!.

فقالت لها عمتها: لا تقولي هذا القول، فليس رأي أبيك فيه، و لا في أبيه قبله، رأيك، فما الذي حدث؟!.

قالت أم الفضل - العروس -: و الله، يا عمة، انه لما طلع علي جماله، حدث لي ما يحدث للنساء. فضربت يدي الي أثوابي و ضممتها!.

فبهتت العمة من قولها، و خرجت توا فدخلت علي الامام عليه السلام، و قالت:

يا سيدي، تعلم الغيب!.

قال: لا.

قالت: فنزل اليك الوحي؟.

قال: لا.

قالت: فمن اين لك علم ما لا يعلمه الا الله، و هي؟!!

قال: و أنا أيضا أعلمه. من علم الله علمنا، و عن الله نخبر.

قالت: يا سيدي، و ما كان اكبار النسوة اللواتي خرج عليهن يوسف؟.

قال: هو ما حصل لأم الفضل من الحيض» [21] .

«ثم لما كان ضحي النهار التالي لليلة الفرح، كان أول المهنئين للامام عليه السلام، أبوهاشم الجعفري الذي دخل عليه و قال: يا مولاي، قد عظمت علينا بركة هذا اليوم.

فقال عليه السلام: يا أباهاشم، عظمت بركات الله علينا فيه.

قال: نعم، يا مولاي. فما أقول في اليوم؟.

فقال: تقول فيه خيرا، فانه يصيبك.



[ صفحه 216]



قال: يا مولاي، أفعل هذا و لا أخالفه.

قال عليه السلام: اذا ترشد و لا تري الا خيرا» [22] .

و قال الحسين المكاري:

«دخلت علي أبي جعفر ببغداد و هي علي ما كان من أمره - أي من النعيم و الاقامة في قصر الخلاقة - فقلت في نفسي: هذا الرجل لا يرجع الي موطنه أبدا، و ما أعرف مطعمه!. - أي ما أكثره و أطيبه و أحسنه -.

فأطرق - الامام - رأسه ثم رفعه و قد أصفر لونه فقال:

يا حسين، خبز شعير، و ملح جريش في حرم رسول الله أحب الي مما تراني فيه» [23] .

ذاك أن الدنيا - بما فيها - لا تساوي عند الأئمة جناح بعوضة.

و بعد أفراح القران - عقيب التجلي في الامتحان - علي الشكلين اللذين رأينا،

و في ذينك المكان و الزمان، جمع المأمون علماء دولته، و فقهاء امارته، و وزراءه، و قواده، و الأعيان و بعض الخاصة، و أمر أن يجلسوا بحسب مراتبهم، ثم قال لأبي جعفر عليه السلام:

ان رأيت، جعلت فداك، أن تذكر الفقه في ما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد، لنعلمه و نستفيده. - أي ما سأله عنه يحيي بن أكثم يوم الامتحان -.

فنظروا - جمعيهم - الي ذلك الفتي الكريم، المتربع علي عرش من العروش التي أعدها الله تبارك و تعالي لاظهار عظمته و قدرته في نصرة أنبيائه و أوليائه، حين يعترض أهل البهتان مسيرتهم في اظهار أمره، و حين ينالون من قدسية ارادته عز و علا بالتعدي علي حرماته و كرامة أصفيائه.

فهالهم ما رأوا فيه من روح المحمدية و العلوية، و من روح النبوة و الوصية،



[ صفحه 217]



مجسدتين تحت هالة تشع من سمرة المخلوق المجتبي - العظيم، الذي أرادوا مبارزته تحديا لصنع الله تعالي في هذا البيت المطهر، فبهرهم الجو المحيط به من الهيبة و الرهبة.. قبل أن يتكلم!.

و دخل في حسبانهم أن تخيب آمالهم مرة ثانية بما يظهر من علمه و فضله، و أن يصيبهم الفشل و الخذلان - اذ الحق أحق أن يتبع - و اذ هم - في قرارة نفوسهم - يعرفون قدر أهل هذا البيت و حقهم، و لكنهم (يريدون أني يطفئوا نور الله بأفواههم، و يأبي الله الا أن يتم نوره!.) [24] فاستولت عليهم الرهبة و احتبسوا أنفاسهم حين قال أبوجعفر عليه السلام:

نعم، ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل، و كان الصيد من ذوات الطير، و كان من كبارها، فعليه شاة،

و اذا قتل فرخا في الحل، فعليه حمل قد فطم من اللبن،

فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا.

و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ.

فاذا كان من الوحش، و كان حمار وحش، فعليه بقرة،

و ان كان نعامة فعليه بدنة.

و ان كان ظبيا فعليه شاة.

و ان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفا، هديا بالغ الكعبة.

و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، و كان احرامه بالحج، نحره بمني،

و ان كان احرامه بالعمرة، نحره بمكة،

و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء،

و في العمد عليه المأثم،

و هو موضوع عنه في الخطاء،



[ صفحه 218]



و الكفارة علي الحر في نفسه،

و علي السيد في عبده.

و الصغير لا كفارة عليه،

و هي علي الكبير واجبة.

و النادم يسقط عنه ندمه عقاب الآخرة،

و المصر يجب عليه عقاب الآخرة» [25] .

ف (انظر كيف نبين لهم الآيات، ثم انظر أني يؤفكون؟!» [26] .

و بذلك بسط الامام عليه السلام - علي مسامعهم - تسع عشرة فتوي تفرعت عن سؤال قاضي القضاة،

فتفتحت أسارير وجوه قليلة،

و قطبت و تقبضت وجوه كثيرة.

و اسودت وجوه الفقهاء!.

و وقعت الكرة في المضرب لصالح المأمون مرة ثانية بعد أن فاز بالضربة الأولي، فقال ليحيي بن أكثم: اطرح علي أبي جعفر، محمد بن علي الرضا، مسألة ثانية لعلك تقطعه فيها.

فنهض العبد المطيع يتعثر بأطراف ثوبه، و ركع بين يدي الامام الفتي عليه السلام و قال ممتثلا أمر سيده:

يا أباجعفر، ما تقول في رجل نكح امرأة علي زني، أيحل له أن يتزوجها؟..

فقال عليه السلام: يدعها حتي يستبرئها من نطفته و نطفة غيره، اذ لا يؤمن



[ صفحه 219]



منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه، ثم يتزوجها اذا أراد.

فانما مثلها كمثل نخلة أكل رجل منها حراما، ثم اشتراها فأكل منها حلالا» [27] .

فوجم الشيخ.. و هيمن علي الكل جو التعظيم للبديهة الرشيدة، و للنموذج الرباني الكبير الظاهر في هذا الفتي - المعجز!.

ثم قطع الصمت صوت المأمون الذي قال:

أحسنت يا أباجعفر، أحسن الله اليك!. فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك.

فاحمر وجه القاضي، و اخضر، و اصفر.. و اربد، ثم اسود و تمغر و كاد أن يسمع أزيز صدره رعبا من الورطة التي زجه الخليفة فيها.

و أدرك الامام عليه السلام حرج موقف القاضي، فقال يخيره بلطف:

أسألك؟.

فلم يجد يحيي بدا من القول: ذاك اليك جعلت فداك.

ثم وجد منفذا للهروب و الخلاص فقال متمما: فان عرفت جواب ما تسألني عنه، و الا استفدته منك.

شأنه في موقفه شأن سحرة فرعون لما اتضحت لهم آية ربهم، فآمنوا بها (و ألقي السحرة ساجدين، قالوا: آمنا برب العالمين، رب موسي و هرون) [28] .

و اذ ألقي المفتي السلطاني الخطير عصاه، و أظهر ايمانه علنا، قال الامام عليه السلام:

«أخبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار، فكان نظره اليها حراما عليه،

فلما ارتفع النهار حلت له،

فلما زالت الشمس حرمت عليه،



[ صفحه 220]



فلما كان وقت العصر حلت له،

فلما غربت الشمس حرمت عليه،

فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له،

فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه،

فلما طلع الفجر حلت له.

ما حال هذه المرأة؟ و بماذا حلت له؟ و حرمت عليه؟!!» [29] .

و لكأنه سمع همس القاضي الذي يجول في صدره و يعتمل به فكره قائلا بتعجب فيما بينه و بين نفسه:

امرأة واحدة، تحل لرجل واحد، أربع مرات في اليوم، و تحرم عليه أربع مرات في ذلك اليوم؟!! هذا علمه عند ربي، و لا يحيط به فقهي.. و لا فقه أحد!.

و هل هذا من البدع في الشرع؟.

أم أنه لم ينزل به حكم؟.

هذا مما لا يعرفه الا من كان علمه من علمه تعالي!.

.. أما الحضور.. فعلاهم صمت أهل القبور.. و انزووا في زوايا المجلس كالخشب المسندة، و كالصخور!.

و تقوقع كل الجلساء علي أنفسهم، كالخنافس، رغم أن الامام عليه السلام فتح علي الجميع بابين للتفكير بالمخرج حين قال:

ما «حال» تلك المرأة؟.

و بماذا حلت له، و حرمت عليه؟.

لأن للنساء حالات كثيرة... و للتحليل و التحريم - في شرعنا - فروع أكثر..



[ صفحه 221]



و كان ينبغي لهم أن يحاولوا، لو لم يكونوا بين يدي الامام عليه السلام!.

فبوجوده المرعب لهم، سدت عليهم منافذ التفكير.. و كان «الشيخ يحيي» أول من لملم شتاته بين الحاضرين و اعترف بالعي فقال للامام عليه السلام بصراحة:

لا و الله لا أهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا أعرف الوجه فيه. فان رأيت أن تفيدنا.

و شمت المأمون بأقاربه - خاصة - و بجميع من لفتهم الخيبة و باؤوا بالفشل!.

و جاء دور كرم خلق الامام الفتي، و دور ما برأه الله تعالي عليه من الطيبة و الجدارة بحمل أمره حيث جعله عيبة علمه، فقال عليه السلام:

هذه أمة لرجل من الناس:

نظر اليها أجنبي في أول النهار فكان نظره اليها حراما عليه،

فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له،

فلما كان عند الظهر أعتقها، فحرمت عليه،

فلما كان وقت العصر تزوجها، فحلت له،

فلما كان وقت المغرب ظاهر منها، فحرمت عليه،

فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار، فحلت له،

فلما كان نصف الليل طلقها واحدة، فحرمت عليه،

فلما كان عند الفجر راجعها، فحلت له [30] .

فقد كلف الامام عليه السلام قاضي السلطان أن يستخرج مخ البعوضة!.

و أن نكلف خاطر ذلك القاضي أن يعلم كيف تحل امرأة واحدة لرجل واحد، أربع مرات في اليوم، و كيف تحرم هي ذاتها، عليه هو ذاته، أربع مرات في ذلك اليوم، هو تكليف فوق مقدوره، وعب ء لا يقوم به الا من كان كالامام يزق العلم زقا، و يرفد بالالهام..



[ صفحه 222]



و قد كان المأمون يتمني و يعمل جاهدا في أن يقطع الامام عليه السلام و لو بسؤال، و يعييه و لو بجواب، و يهتبل كل فرصة ليحرجه فيخرجه عن حد المعقول، فيفتك به علنا.. ولكنه كان يبوء بالخسران.. و تشيل بالامام «الصغير» كفة الميزان!.

فالمأمون لم يقعد عن رغبته في ابطال علم الأئمة ليربح المعركة في خصومتهم و يجتث شجرتهم. و كان منذ أيام أبيه الرضا عليه السلام يجلب جهابذة المتكلمين من أهل الفرق ليجلب عليهم و يقطع حجتهم و يعجزهم و لو بسؤال واحد!.

آية ذلك أن الدعوة الامامية لم تكن لتؤثر في نطاق حكم العباسيين تأثيرا ظاهريا فحسب، بل كانت تري حكمهم باطلا. و تهدف الي هدم كل ظلم و طغيان مهما كان نوعه، و لاماتة الباطل و احياء الحق و اعادة أمور الدين الي نصابها.. فكان المأمون يري في امامة هذا «الصغير» خطرا داهما يتحداه بعد امامة أبيه «الكبير» لأن الأمر سيبدو للعام و الخاص بشكل «امامة - معجزة» قذفتهم بها السماء!.

فلا بد لها من التصدي.. و التحدي.

فليجمع العلماء المخالفين، و الفقهاء غير الموالين من هاهنا و هاهنا ليعجز هذا «الصغير».. الخطير!. و يورطه بأية وسيلة كانت..

.. و علي هذا الأساس نفخ قاضيه يحيي بن أكثم بالعصبية الحاقدة - التي كانت مستفحلة في ذلك العصر - حتي جعل كرشه كالبالون، و عقد مجلسا حافلا بالناس تنحنح فيه القاضي «الوارم» و ترنح و تواقح فاستأذن - من الخليفة و الامام - و قال:

«ما تقول يا ابن رسول الله في الخبر الذي روي: أنه نزل جبرائيل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قال: يا محمد: ان الله يقرئك السلام و يقول لك: سل أبابكر هل هو عني راض، فاني عنه راض؟.

فقال أبوجعفر: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع:

«قد كثرت علي الكذابة، و ستكثر. فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده



[ صفحه 223]



من النار. فاذا أتاكم الحديث فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي، فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوا به، و ما خالف كتاب الله و سنتي فلا تأخذوا به».

و ليس بوافق هذا الخبر كتاب الله. قال الله تعالي: (و لقد خلقنا الانسان، و تعلم ما توسوس به نفسه، و نحن أقرب اليه من حبل الوريد). [31] فالله عز و جل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتي سأل من مكنون سره؟!. هذا مستحيل في العقول.

قال يحيي: و قد روي أن مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرائيل و ميكائيل في السماء؟.

فقال: و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه، لأن جبرائيل و ميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة.. و هما قد أشركا بالله عز و جل و ان أسلما بعد الشرك. و كان أكثر أيامهما في الشرك بالله، فمحال أن يشبههما بهما.

قال يحيي: و قد روي أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه؟.

فقال عليه السلام: و هذا الخبر محال أيضا، لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، و لا يكون فيهم كهل. و هذا الخبر وضعه بنو أمية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الحسن و الحسين بأنهما سيدا شباب أهل الجنة.

فقال يحيي بن أكثم: و روي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.

فقال عليه السلام: و هذا أيضا محال، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، و آدم، و محمدا، و جميع الأنبياء و المرسلين، لا تضيي ء بأنوارهم حتي تضي ء بنور عمر؟.

فقال يحيي: و قد روي أن السكينة تنطق علي لسان عمر.

فقال عليه السلام: لست بمنكر فضائل عمر، و لكن أبابكر أفضل من عمر، فقال علي رأس المنبر: ان لي شيطانا يعتريني، فاذا ملت فسددوني.



[ صفحه 224]



فقال يحيي: قد روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لو لم أبعث لبعث عمر.

فقال عليه السلام: كتاب الله أصدق من هذا الحديث. يقول الله في كتابه (و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم، و منك، و من نوح) [32] فقد أخذ الله ميثاق النبيين، فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه؟. و كان الأنبياء لم يشركوا طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك و كان أكثر أيامه مع الشرك بالله، و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: نبئت و آدم بين الروح و الجسد؟!!

قال يحيي بن أكثم: و قد روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: ما احتبس الوحي عني قط، الا ظننته قد نزل علي آل الخطاب.

فقال عليه السلام: و هذا محال أيضا، لأنه لا يجوز أن يشك النبي صلي الله عليه و آله و سلم في نبوته. قال الله تعالي: (ألله يصطفي من الملائكة رسلا، و من الناس) [33] فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله، الي من أشرك به؟!.

قال يحيي بن أكثم: روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لو نزل العذاب لما نجا منه الا عمر.

فقال عليه السلام: و هذا محال أيضا، ان الله تعالي يقول: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم، و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون). [34] فأخبر سبحانه أن لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ما داموا يستغفرون الله تعالي» [35] .

و رأي ذلك المأمون، و سمع...

و نظر الي البعيد البعيد فرأي امامة هذا «الامام الصغير» أخطر من امامة الكبير.. لأنها في غاية التسديد و التأييد.. و لا يقوم لها شي ء!.



[ صفحه 225]



و اذا هو لم يلجأ الي اغتياله و اغتيال أتباعه - عاجلا - استفحل أمره و كثر القائلون بامامته.. و كان ما لا تحمد عقباه - آجلا -..

و رأي غير المأمون ذلك أيضا، و تنبهوا الي عمق تأثيره عليه السلام في العقول، و الي قدرته الفائقة علي كسب الوقت لاظهار الحق الذي هو عليه، و الباطل الذي هم عليه.. فخافوا جميعهم - أن تفسد أحدوثتهم لدي الناس..

و لذا أقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم:

هل فيكم من يجيب علي هذه المسألة بمثل هذا الجواب، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟!!.

قالوا: لا و الله، ان أميرالمؤمنين أعلم بما رأي.

فقال المأمون: ويحكم، ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل.

و ان صغر السن لا يمنعهم من الكمال.

أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم افتتح دعوته بدعاء علي بن أبي طالب عليه السلام و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام، و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره؟.

و بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما دون الست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما؟.

أولا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم،

و أنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟!.

قالوا: صدقت يا أميرالمؤمينن [36] .



[ صفحه 226]



ثم نهض القوم.. و اضطرمت نار الحقد، وبدأ أجيجها في الصدور.. و سمع حسيسها منذئذ جليا.. بعد أن أشعل المأمون الفتيل.

و لم يكن صدر هذا المأمون بأقل صدور قومه احتواء للحقد - بالرغم من كلمة الحق التي قالها - و لا أقل منها حسيسا و حسدا و تأججا.. فهو ماهر في التمثيل، ساهر علي «عباسيته» دون بديل، يصطنع الحيل التي لا يصل الي فهمها قومه و لا غير قومه، لأنه هو من هو في الفهم و العلم و حبك المؤامرات.

و ليس من يعلم كمن لا يعلم من أمر حبس الامام في سجن ذلك القران، و من تجنيد المرأة لبلوغ غايات معينة.

و لا يظنن ظان أني أظلم «المأمون» أو أفتري عليه حين أشكف عن بصمات يده في المكيدة للأئمة عليهم السلام، بعد اكرامه الظاهر لاثنين منهم زوجهما ابنتيه الواحدة بعد الأخري، و بعد تولية أولهما و احتضان ثانيهما و اظهار فضله و كراماته.

فقد قال الحسن بن الجهم: «دخلت علي الرضا عليه السلام، و قلت له: يا ابن رسول الله، الحمدلله الذي وهب لك من جميل رأي أميرالمؤمنين - المأمون - ما حمله علي ما أري من اكرامه لك و قبوله لقولك.

فقال عليه السلام: لا يغرنك ما ألفيته عليه من اكرامي و الاستماع مني، فانه سيقتلني بالسم و هو ظالم لي.

اني أعرف ذلك بعهد معهود الي من آبائي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

فاكتم هذا ما زلت حيا» [37] ففعل.. و هذه واحدة.

و الثانية أن أحمد بن علي الأنصاري قال: «سألت أبا الصلت الهروي فقلت له:

كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه السلام، مع اكرامه و محبته له و ما جعل له من ولاية العهد بعده؟!!

فقال: انما كان المأمون يكرمه و يحبه لمعرفته بفضله.



[ صفحه 227]



و جعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس أنه راغب في الدنيا، فيسقط محله من نفوسهم.

فلما لم يظهر منه في ذلك للناس الا ما ازداد به فضلا عندهم، و محلا في نفوسهم، جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، و بسببهم يشتهر نقصه عند العامة - و هذا امتحان من المأمون للرضا عليه السلام قبل امتحان ابنه - فكان لا يكلمه خصم من اليهود و النصاري و الصابئين و البراهمة و الملحدين و الدهرية، و لا خصم من فرق المسلمين المخالفين، الا قطعه و ألزمه الحجة.

و كان الناس يقولون: و الله انه أولي بالخلافة من المأمون. و كان أصحاب الأخبار - جواسيس القصر - يرفعون ذلك اليه فيغتاظ من ذلك و يشتد حسده له.

و كان الرضا عليه السلام لا يحابي المأمون من حق.

و كان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله فيغيظه ذلك و يحقد عليه و لا يظهره له.

فلما أعيته الحيلة في أمره، اغتاله فقتله بالسم» [38] .

فهذان بدلان و شاهدا عدل، سمعا و رأيا، و عايشا فصول الروايتين عن قرب لا عن كثب، لأنهما كانا من جملة العشراء الذين يدخلون المسرح دون استئذان، و قد عرفا حقائق الأمور و دقائقها.

فقد كان الامام الرضا عليه السلام يعرف أن المأمون قاتله بالسم، و أنه الممهد لقتل ابنه من بعده، و لذلك نبهه - بصراحة - حين أفاق من اغماءة الاحتضار - في آخر لحظات حياته - ورآه يتباكي بجانبه قائلا له:

«أحسن يا أميرالمؤمنين معاشرة أبي جعفر، فان عمرك و عمره هكذا - و جمع بين سبابتيه -». [39] معلنا له أن عمريهما متقاربان، و محذرا اياهم من البطش به لأن موته و موته متلازمان الي حد ما..



[ صفحه 228]



و هكذا كان، اذ ماتا ما بين ثلاثين شهرا، كما ذكر سابقا.

و لذا فقد استقر عند المأمون العد العكسي قبل الايقاع بالامام الفتي بعد أن زوجه، فسمح له - اذ ذاك - بمغادرة العاصمة - بغداد - ليقيم في المدينة المنورة سنين طوالا لم يذكره فيها المأمون الا بخير لأنه بمحافظته عليه انما يحافظ علي نفسه لتقارب موتهما.

و لو حاولنا تبرئة السلطان «المأمون» علي شرعة الرحمان من دم الامام، لفضحته «أمانة» البحث و اعتبرت من يبرئه «غير مأمون» علي نقل حقيقة ما توصل اليه الي القراء، و لارتفعت اصبع العدالة تشير الي يديه الملطختين بدم أبيه من قبل، بالرغم من أن موته سبق موت صهره الثاني بثلاثين شهرا!.

فما أبرع الامام الرضا عليه السلام في اعلان تحذيره له حين قال له و هو يجمع سبابتيه: فان عمرك و عمره هكذا!.

ولكنه ضارعت براعته في التحذير و الانذار، براعة المأمون في الحيطة لعرشه حين ربط خيط المكيدة بخنصر «أم الفضل» التي فاتها الفضل و النبل، و خانتها كرامة الأسرة العريقة التي تحدرت منها!.

نعم، انه لمأمون - بالغ الأمانة - في الكيد لهذا البيت الذي يتظاهر باحترامه و اكرامه، و لا يجوز لنا أن ننكر عليه أمانته تلك، فان خطته قد أحكمت بالدقة المعهودة منه:

تقريب.. فتزويج.. فتزويج.. فتنفيذ - عاجل، أو آجل - لاصابة الهدف!.

و لم يكن ذلك منه عجبا، فهو سليل بيت كان سيده هارون الرشيد - أبوه - الذي قال لولده - المأمون بالذات - حين لامه علي عدم رد الحق الي الهاشميين ما زال يعرفه لهم:

الملك عقيم يا بني.. و الله لو نازعتني الملك، لأخذت الذي فيه عيناك!.

فالمأمون عزيز علي أبيه مقرب اليه.. و مع ذلك فان نفسه تطيب بقتله اذا نازعه الملك!.



[ صفحه 229]



و المأمون العزيز علي أبيه، كان ابن أبيه حقا و حقيقة، و لو رأيناه ينضح بما ليس فيه أثناء مراقبة مجالسه مع الامام الجواد عليه السلام.. فرأي أبيه هو رأيه، و لم يختلفا بشي ء.. و بالأمس نصب رأس أخيه الأمين علي خشبة في الدار و أمر بلعنه!.

ولكن الامام عليه السلام لم ينازع المأمون ملكا ليأخذ الذي فيه عيناه، و لا اقتطع طرفا من أطراف سلطانه، و لا عدا علي شي ء من أمره، و لا فاه بكلمة فيها ريح التطلع الي ما كان فيه السلطان من غضارة النعيم الزائل.. و لا أبوه، الرضا عليه السلام، فعل شيئا من ذلك. و لكن الملك عقيم.. و مجال السعاة البغاة في القصور مفتوح الباب علي مصراعيه.. و الوشاة، و النمامون، و المتزلفون حاضرون ما زال طعم الأفاويه الطيبة تحت أضراسهم، و ما زالت كروشهم مملوءة بعفن الحياة.. يجرئهم علي ذلك سمع «رب القصر» المفتوح علي النميمة و الوشي في كل آن.. لأنه قاتل، ابن قاتل.. من أسرة قتلة قال فيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم:

«ويل لذريتي من ولد العباس!».

و بالنسبة لاغتيال امامنا الجواد عليه السلام،

ولدي التحليل ثم، تشير الدلائل - التي تأبي الشك - الي الجاني الذي هو هو حامل العنب المسوم الي أبيه في «مرو» بالأمس،

و قد قتل الأب - بالأمس - بأسلوبه الذي كشفناه باختصار،

و ألحق به ابنه - اليوم - منذ قربه و زوجه.. و ان كانت نهاية الفاجعة قد تمت علي يد «المعتصم» الذي لم يعصمه الشيطان عن هذه الموبقة النكراء و الفعلة الشنعاء!.

و صدقني أنه لو طال العهد بالمأمون لتربص بالذرية الهاشمية و ألحق آخرها بأولها!.

و لكن أخاه المعتصم، لم يكن معتصما تجاه هذه الأسرة الشريفة، كما كان أخوه المأمون غير مأمون عليها، و كما كان الرشيد - أبوهما - غير رشيد تجاهها!.

فالمعتصم قد أخذ الشعلة من يد أخيه، و تابع المسيرة، وسار علي سيرة أبيه و سمع



[ صفحه 230]



لنداء ضميره الخدر، و لرأي وزيره الأشر، و دس مشيره البطر،

وفاق بالفتك فتك أخيه،

و أقر بفعلته الشنعاء عين أبيه.. و أخيه!.

أما الامام - العريس، فقد عاد بعدها الي يثرب بعد أن ربطته أحابيل سلطان قصر بغداد برباط.. و لم يعرس بالأميرة الا في السنة 215 هجرية، أي بعد عقد الزواج بحوالي سبع سنوات أخذها بعدها اليه.. بغير رأي أبيها الذي ألح عليه كثيرا بالبقاء الي جانبه في بغداد.. لئلا يفلت من «القبضة الحديدية» التي «صنعها» له.. و لذلك لم يمهله أكثر من سنتين عاد بعدهما فاستقدمه الي بغداد «مشتاقا».. بل تواقا للنقمة قبل أن يفوت الأوان ولكنه لم يقم عنده الا لموسم الحج حيث عاد لأداء الفريضة المقدسة.

«و لما توجه أبوجعفر عليه السلام من بغداد، منصرفا من عند المأمون و معه أم الفضل، قاصدا بها المدينة، صار الي شارع باب الكوفة و معه الناس يشيعونه فانتهي الي دار المسيب عند مغيب الشمس، فنزل و دخل المسجد، و كان في صحنه نبقة - شجرة سدر أو نخل - لم تحمل بعد. فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة، و قام فصلي بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الأولي «الحمد» و «اذا جاء نصر الله و الفتح، وقرأ في الثانية «الحمد» و «قل هو الله أحد» وقنت قبل ركوعه فيها، و صلي الثالثة و تشهد و سلم، ثم جلس هنيهة يذكر الله تعالي، وقام من غير أن يعقب فصلي النوافل أربع ركعات، و عقب بعدها و سجد سجدتي الشكر. فلما انتهي الي النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حسنا، فتعجبوا من ذلك و أكلوا منها، فوجدوه نبقا حلوا لا عجم فيه - دون برزة - و ودعوه و مضي عليه السلام من وقته الي المدينة، فلم يزل بها الي أن أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين و مئتين الي بغداد، فأقام بها حتي تؤفي [40] .



[ صفحه 231]




پاورقي

[1] كان للامام أبي جعفر عليه السلام رحلتان الي بغداد:

الأولي: سنة 201 هجرية - في عهد المأمون - و كان ابن ست سنوات.

و الثانية: سنة 220 هجرية - في زمان المعتصم - و كان ابن خمس و عشرين سنة. و قد قتل مسموما في تلك السنة.. و ما هو مثبت في هامش الصفحة 337 من تحف العقول خطأ.

[2] بحارالأنوار ج 50 ص 57 - 56 و كشف الغمة ج 3 ص 134 و المناقب ج 4 ص 389 - 388 و حلية الأبرار ج 2 ص 410 الي 412 و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و اثبات الهداة ج 6 ص 202 - 201.

[3] الصواعق المحرقة ص 206.

[4] كشف الغمة ج 3 ص 139.

[5] الأنعام - 158.

[6] التحريم - 6.

[7] المدثر - 22 - 18.

[8] فالمأمون من المجرمين السفاكين القساة. و انظر مروج الذهب ج 3 ص 413 تجد شهادة «الأمين» بأخيه.. فانه حين حوصر قبيل قتله قال لأحمد بن سلام الذي كان معه في الغرفة:

يا أحمد ما أشك أنهم سيحملونني الي أخي، أفتري أخي قاتلي؟.

قال له: كلا ان الرحم ستعطفه عليك.

فقال: هيهات!. الملك عقيم لا رحم له.. و هو أعرف بأخيه.

و في ص 414: لما وضع رأس «الأمين» بين يدي أخيه «المأمون» بعد أن حمل اليه الي خراسان، استرجع و بكي.. ثم أمر بنصب الرأس علي خشبة في صحن الدار!. و أعطي الجند رزقهم و أمر الكل بلعنه، فكان الواحد منهم يقبض عطاءه و يلعنه، الي أن قبض واحد من العجم عطاءه فقيل له: العنه، فقال: لعن الله هذا، و لعن والديه و ما ولدا، و أدخلهم في كذا و كذا من أمهاتهم!. فسمع «المأمون» ذلك و تغافل و تبسم.. ثم خجل و أمر بانزال رأس أخيه عن الخشبة.

و في ص 419 ذكر أن «المأمون» كان يقول: يغتفر كل شي ء الا القدح في الملك!. و لما خلص اليه الأمر قال: هذا ملك لولا أنه بعده هلك.. و هذا سرور لولا أنه غرور.

[9] أنظر مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 381 - 380 و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 300 - 299 و كشف الغمة ج 3 ص 144 - 143 و الاختصاص ص 101 - 98 بتفصيل، و الارشاد ص 299 باختصار، و اعلام الوري ص 338 - 335 و الصواعق المحرقة ص 206 و تحف العقول ص 334 - 332 بتفضيل أيضا، و كذلك في الاختصاص ص 99 - 98 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 443.

[10] أنظر مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 381 - 380 و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 300 - 299 و كشف الغمة ج 3 ص 144 - 143 و الاختصاص ص 101 - 98 بتفصيل، و الارشاد ص 299 باختصار، و اعلام الوري ص 338 - 335 و الصواعق المحرقة ص 206 و تحف العقول ص 334 - 332 بتفضيل أيضا، و كذلك في الاختصاص ص 99 - 98 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 443.

[11] أنظر مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 381 - 380 و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 300 - 299 و كشف الغمة ج 3 ص 144 - 143 و الاختصاص ص 101 - 98 بتفصيل، و الارشاد ص 299 باختصار، و اعلام الوري ص 338 - 335 و الصواعق المحرقة ص 206 و تحف العقول ص 334 - 332 بتفصيل أيضا، و كذلك في الاختصاص ص 99 - 98 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 443.

[12] قال المسعودي في مروج الذهب ج 3 ص 434 و ص 435 (و انظر الاختصاص في هامش ص 99 - 98): و كان يحيي بن أكثم قد ولي قضاء البصرة قبل تأكد الحال بينه و بين «المأمون» فرفع الي المأمون أنه أفسد أولادهم بكثرة لواطه!. - فعذره - و قال: لو طعنوا عليه في أحكامه قبل منهم.

و قد ظهر منه الفواحش و ارتكاب الكبائر و استفاض ذلك عنه، و هو القائل:



أربعة تفتن ألحاظهم

فعين من يعشقهم ساهرة



فواحد دنياه في وجهه

منافق ليست له آخرة



و آخر دنياه مفتوحة

من خلفه آخرة وافرة



و ثالث قد حاز كلتيهما

قد جمع الدنيا مع الآخرة



و رابع قد ضاع ما بينهم

ليست له دنيا و لا آخرة



فعزله «المأمون» عن البصرة.. و ولاه في «قصر بغداد».. و ولاه المعتصم من بعده فكان «قاضي البلاط» في سامراء.

و بلغت شهرته باللواط أن قال فيه ابن أبي نعيم:



يا ليت يحيي لم يلده أكثمه

و لم تطأ أرض العراق قدمه



ألوط قاض في العراق نعلمه

أي دواة لم يلقها قلمه



و أي شعب لم يلجه أرقمه



و عندما دخل علي المأمون قال له: من الذي يقول:



قاض يري الحد في الزناء، و لا

يري علي من يلوط من باس



فقال له: هو ابن أبي نعيم يا أميرالمؤمنين الذي قال:



أميرنا يرتشي و حاكمنا

يلوط، و الرأس شرماراس



قاض يري الحد في الزناء، و لا

يري علي من يلوط من باس



ما أحسب الجور ينقضي و علي الأمة

وال من آل عباس!.



فخجل المأمون، و سكت.. و قد قال فيه آخر:



و كنا نرجي أن نري العدل ظاهرا

فأعقبنا بعد الرجاء قنوط



متي تصلح الدنيا و يصلح أهلها

و قاضي قضاة المسلمين يلوط!.

[13] أنظر الاختصاص ص 101 - 98 و تحف العقول ص 333 - 332 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 381 - 380 و حلية الأبرار ج 2 ص 402 الي ص 407 و المحجة البيضاء ج 4 ص 298 و كشف الغمة ج 3 ص 145 و الارشاد ص 300 الي ص 303 و الصواعق المحرقة ص 206 و اعلام الوري ص 336 - 335 و بحارالأنوار ج 50 ص 77 - 76 و الاختصاص ص 99 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 445 - 444.

[14] أنظر مع المصادر السابقة: تذكرة الخواص ص 321 و الكامل لابن الأثير ج 6 ص 154 - 153 و في بحارالأنوار ج 50 ص 74 ذكر أن سبط ابن الجوزي - في تذكرته ص 202 - قال: زوجه ابنته قبل وفاة أبيه الرضا عليه السلام، و هذا وهم لأنه كان يومئذ لا يزال في السابغة من عمره. و حينها سماها علي اسمه في حياة أبيه عليهماالسلام. أما عقد القرآن فتم سنة 205 هجرية و كان في التاسع و أشهر، و لكنه لم يأخذها اليه الا في سنة 215 هجرية، و الله أعلم.

[15] النور - 32.

[16] بحارالأنوار ج 50 ص 73 و ص 77 - 76 و اعلام الوري ص 336 الي 338 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 382 نقلا عن تاريخ بغداد للخطيب، و رواية عن يحيي بن أكثم قاضي قضاة المأمون. و انظر الارشاد ص 304 - 299 في حديث طويل، و تذكرة الخواص ص 321 و الأنوار البهية من ص 212 الي ص 215 و حلية الأبرار ج 2 من ص 402 الي ص 407 بتفصيل، و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 299 و كشف الغمة ج 3 ص 143 و ص 146 - 145 و ص 160 و الصواعق المحرقة ص 206 و اعلام الوري ص 337 - 336 و الاختصاص من ص 98 الي ص 101 و تحف العقول ص 333 - 332 و بعض المصادر السابقة لهذا الرقم.

[17] أنظر بحارالأنوار ج 50 ص 79 و هو كذلك في الارشاد ص 304 - 299 و الاختصاص ص 101 و تحف العقول ص 334 - 333 و المحجة البيضاء ج 4 ص 301 و كشف الغمة ج 3 ص 145 الي 148 و اعلام الوري ص 338 و الاختصاص ص 100 - 99 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 445.

[18] أنظر الوسائل م 11 ص 13 و سائر الكتب التي عرضت لسيرة خلافته (ع) في الكوفة.

[19] يوسف - 31 و النحل - 1، و انظر المصادر التالية لهذا الرقم.

[20] يوسف - 31 و النحل - 1، و انظر المصادر التالية لهذا الرقم.

[21] بحارالأنوار ج 50 ص 84 - 83 و اثبات الهداة ج 6 ص 199 - 198 و حلية الأبرار ج 2 ص 416 - 415 و هو في مصادر أخري متعددة عرضت لتفصيل ذلك الزواج.

[22] بحارالأنوار ج 50 ص 79 و تحف العقول ص 479.

[23] بحارالأنوار ج 50 ص 48 و مختار الخرائج و الجرائح ص 208.

[24] التوبة - 32.

[25] الاختصاص ص 100 و تحت العقول ص 333 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 381 - 380 و حلية الأبرار ج 2 من ص 402 الي ص 407 و المحجة البيضاء ج 4 ص 298 و كشف الغمة ج 3 ص 147 - 145 و الارشاد ص 302 و الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 445.

[26] المائدة - 75.

[27] تحف العقول ص 335 و غيره من مصادر بحثنا.

[28] الأعراف - 122 - 120 و الشعراء - 49 - 47.

[29] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 381 و تحف العقول ص 335 و المحجة البيضاء ج 4 ص 300 و كشف الغمة ج 3 ص 147 و الارشاد ص 303 - 302 و الصواعق المحرقة ص 206 و اعلام الوري ص 337 و الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 446 - 445.

[30] أنظرر جميع مصادر الرقم الذي قبل السابق.

[31] ق - 16.

[32] الأحزاب - 7.

[33] الحج - 75.

[34] الأنفال - 33.

[35] بحارالأنوار ج 50 ص 80 الي ص 83 و هو في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 449 - 446 و أنظر حلية الأبرار ج 2 ص 437.

[36] أنظر في كل ما سبق بحارالأنوار ج 50 من ص 76 الي ص 78 و الاحتجاج للطبرسي ج 2 من ص 227 الي ص 229 و الارشاد للمفيد من ص 299 الي ص 304 و كشف الغمة ج 3 ص 144 و أنظر ص 147 تجده ببعض الاختصار، و هو في اعلام الوري ص 338 - 337.

[37] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 202.

[38] المصدر السابق، نفس الجزء ص 241.

[39] المصدر السابق، نفس الجزء ص 244 - 243.

[40] كشف الغمة ج 3 ص 148 و الأنوار البهية ص 221 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 396 و المحجة البيضاء ج 4 ص 301 و الارشاد ص 304 و اعلام الوري ص 338 و اثبات الهداة ج 6 ص 177 و ص 183 و ص 206 و ص 207 و حلية الأبرار ج 2 ص 422 - 421.