بازگشت

المناظرة الأولي


كانت المناظرة مع يحيي بن أكثم قاضي القضاة، بحضور المأمون، و كان زمانها سنة 204 ه.

و السبب فيها اعتراض بني العباس علي المأمون تزويجه الامام الجواد عليه السلام ابنته أم الفضل.

عن الريان بن شبيب قال:

لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أباجعفر بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم، و استنكروه منه، و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما انتهي مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه. فقالوا: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا عليه السلام، فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عزوجل، و ينزع منا عزا قد ألبسناها الله، و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تعييرهم، و التصغير بهم.

و قد كنا في وهلة في من عملك مع الرضا عليه السلام ما عملت



[ صفحه 98]



فلقانا الله المهم من ذلك، فالله الله أن تردنا في غم قد انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا عليه السلام و اعدل الي من تراه من أهل بيتك و يصلح بذلك.

فقال المأمون في جوابهم: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتهم القوم لكانوا أولي بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي فقد كان قاطعا للرحم، و أعوذ بالله من ذلك، و الله ما ندمت علي ما كان مني في استخلاف الرضا عليه السلام، و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه من نفسي فأبي، و كان أمر الله قدرا مقدورا.

و أما أبوجعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل العلم و الفضل مع صغر سنه، و الأعجوبة فيه بذلك. و اني أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا: ان هذا الفتي و ان راقك فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله بتأدب ثم اصنع فيه ما تراه بعد ذلك.

فقال المأمون: و يحكم اني أعرف بهذا الفتي منكم و أن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالي، و مواده و الهامه.

لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به ما وضعت من حاله.

قالوا: قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه،



[ صفحه 99]



فخل بيننا و بينه، لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه، و ان عجز عن ذلك تغنينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون: شأنكم في ذلك متي أردتم.

فخرجوا من عنده، و اجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم و هو يومئذ قاضي الزمان، علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة في ذلك. و عادوا للمأمون و سألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم الي ذلك. فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه. و حضر معهم يحيي بن أكثم، أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست و يجعل له منه مسورتان، والدست هو صدر البيت.

و خرج أبوجعفر و هو يومئذ ابن تسع سنين و أشهر (أي بعد وفاة أبيه) فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، و قام الناس في مراتبهم و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر، فقال يحيي بن أكثم: يأذن لي أميرالمؤمنين أن أسأل أباجعفر عن مسألة؟ فقال المأمون: استأذنه في ذلك. فأقبل يحيي فقال: أتأذن جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبوجعفر: سل ان شئت. قال يحيي: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيد؟ قال أبوجعفر: قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أم خطأ؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ مصرا علي ما فعل أم نادما؟ في الليل قتله



[ صفحه 100]



للصيد أم في النهار؟ محرما كان في العمرة اذ قتله؟ أو بالحج كان محرما؟.

فتحير يحيي بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع و تلجلج حتي عرف جماعة من أهل المجلس أمره. فقال المأمون: لحمدلله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما تنكرونه، ثم أقبل علي أبي جعفر فقال له: أتخطب يا أباجعفر؟ فقال: نعم. فلما تفرق الناس، و بقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر: ان رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه و نستفيده. فقال أبوجعفر عليه السلام: نعم:

1- أن المحرم اذا قتل صيدا في الحل، و كان الصيد من ذوات الصيد، و كان من كبارها فعليه شاة.

2- فان أصحابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا.

3- و اذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن.

4- و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ.

5- و اذا كان من الوحش و كان حمار وحش فعبيه بقرة.

6- و اذا كان نعامة فعليه بدنة.

7- و ان كان ظبيا فعليه شاة.

8- و ان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة.

9- و اذا أصاب المحرم ما يوجب عليه الهدي فيه و كان احرامه في الحج نحر بمني.



[ صفحه 101]



10- و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة.

11- و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء.

12- و في العمد عليه المأثم، و هو موضوع عنه في الخطأ.

13- و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده.

14- و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة.

15- و النادم يسقط ندمه عنه العقاب، و المصر يجب عليه العقاب في الآخرة.

فقال المأمون: أحسنت يا أباجعفر، أحسن الله اليك. فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك.

فقال الامام ليحيي: أسألك؟

فقال يحيي: ذلك اليك جعلت فداك، فان عرفت جواب ما تسألني عنه، و الا استفدته منك. فقال أبوجعفر: أخبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار، فكان نظره حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل العشاء حلت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له. ما حال هذه المرأة؟ و بماذا حلت له و حرمت عليه؟ فقال يحيك لا والله لا أهتدي الي هذا السؤال و لا أعرف الوجه فان رأيت أن تفيدناه؟ فقال أبوجعفر:

1- هذه أمة لرجل من الناس نظر اليها أجنبي في أول النهار، فكان نظره اليها حراما.

2- فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له.



[ صفحه 102]



3- فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه.

4- فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له.

5- فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه.

6- فلما كان وقت العشاء كفر عن الظهار فحلت له.

7- فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه.

8- فلما كان الفجر راجعها فحلت له.

قال فأقبل المأمون علي من حضر من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله. ان أميرالمؤمنين أعلم بما رأي. فقال: ويحكم ان أهل هذا البيت خصوا من بين الخلق بما ترون من الفضل، و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أن رسول الله افتتح دعوته بدعاء علي بن أبي طالب عليه السلام، و هو ابن عشر سنين و قبل منه الاسلام. و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين و هما ابنا دون الست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما. أولا تعلمون أولا تعلمون ما اختص به الله هؤلاء القوم، و أنهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم. [1] .

قالوا صدقت يا أميرالمؤمنين، و نهض القوم.



[ صفحه 103]




پاورقي

[1] بحارالأنوار، ج 5، ص 79.