بازگشت

رعاية أبوية خاصة


ليس أمرا غريبا أن يكتنف الامام الرضا عليه السلام وليده برعاية و عناية خاصتين، بل و يحيطه بهالة من التعظيم و التبجيل و هو طفل رضيع، ذلك أن أباجعفر هو وحيد الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام الذي رزقه بعدما جاوز عليه السلام الخامسة و الأربعين من العمر، فعليه تكون الامامة منحصرة بوليده الفرد. لهذا كله فقد كان امامنا الرضا عليه السلام يوليه تربية خاصة، و عناية زائدة، كما كان يتوسم فيه بركة و خيرا عظيما علي شيعته و محبيه.

فعن يحيي الصنعاني، قال: دخلت علي أبي الحسن الرضا عليه السلام و هو بمكة و هو يقشر موزا و يطعم أباجعفر عليه السلام، فقلت له: جعلت فداك هو المولود المبارك؟ قال: «نعم يا يحيي، هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه») [1] .



[ صفحه 16]



و ينقل لنا الرواة و المؤرخون أيضا كيف أن الامام الرضا عليه السلام كان يترقب و بشوق بالغ، و لهفة عجلي مولد ابنه محمدا، فلما ولد كان عليه السلام يلازم مهده، و في بعض الأحيان كان يناغيه و هو في مهده طول ليلته [2] ؛ بل ان علقته بطفله الرضيع بلغت حدا أنه عليه السلام كان يلازم مهده لعدة ليال حتي ان أحد شيعته كلمه في أن يكف عن كثرة ملازمته لمهد وليده قائلا له: جعلت فداك قد ولد للناس أولاد قبل هذا، فكل هذا تعوذه؟

لقد ظن هذا المعترض أن الامام أباالحسن عليه السلام، و لشدة حبه لمولوده، فانه يخاف عليه من عيون الحساد؛ لذلك فهو يعوذه طوال هذه المدة. لكن الامام عليه السلام أجاب المستفهم بأن حنوه علي ولده ليس لغرض التعويذ، بل انه عليه السلام يلقي اليه أمر الامامة و علومها، بقوله: «ويحك ليس هذا عوذة، انما أغرة بالعلم غرا» [3] ، كما كان يطعمه بنفسه، و ما كان يفارقه طويلا، حتي انه عليه السلام ليصطحبه في سفره و تنقلاته داخل المدينة و خارجها تنويها به عليه السلام، و زيادة في اعظامه و اكرامه.

و أما تعظيم الامام الرضا عليه السلام لمولوده المبارك، فانه ما كان يناديه الا بكنيته منذ نعومة أظفاره، فقد تحدث محمد بن أبي عباد و كان يكتب للرضا عليه السلام، ضمه اليه الفضل بن سهل، قال: ما كان عليه السلام يذكر محمدا ابنه الا بكنيته، و يقول: كتب الي أبوجعفر... و كنت أكتب الي أبي جعفر.. و هو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، و ترد كتب أبي جعفر عليه السلام في نهاية البلاغة و الحسن، فسمعته يقول: «أبوجعفر وصيي و خليفتي في أهلي من



[ صفحه 17]



بعدي» [4] ، و ربما كتب اليه الامام الرضا عليه السلام: فداك أبوك!!

فقد روي العياشي عن محمد بن عيسي بن زياد: قال: كنت في ديوان أبي عباد، فرأيت كتابا ينسخ فسألت عنه فقالوا: كتاب الرضا الي ابنه عليهماالسلام من خراسان، فسألتهم أن يدفعوه الي فاذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أبقاك الله طويلا و أعاذ من عدوك يا ولد، فداك أبوك...» ثم يوصيه عليه السلام بالانفاق و خاصة علي الهاشميين من قرابته، و يختم كتابه بقوله: «و قد أوسع الله عليك كثيرا، يا بني فداك أبوك لا تستر دوني الأمور لحبها فتخطي ء حظك، و السلام» [5] .

و يبلغ حب الوالد لولده مداه و يغرق فيه نزعا، حتي يوصله الي امتزاج روحيهما في روح واحدة هي روح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

ذلك الاغراق في الحب و المودة يوقفنا عليه بنان بن نافع في خبر يرويه حول محاورة في الامامة جرت بينه و بين الامام الرضا عليه السلام من جهة و بين الامام الجواد عليه السلام من جهة أخري.

يقول ابن نافع في نهاية الخبر: ثم دخل علينا أبوالحسن، فقال لي: «يابن نافع سلم و اذعن له بالطاعة، فروحه روحي و روحي روح رسول الله» [6] .

و أخيرا ينقل لنا صاحب كتاب دلائل الامامة خبرا عن أمية بن علي القيسي الشامي يمكننا من خلاله الوقوف علي درجة العلاقة بين الوالد و الولد، و شدة حب الوالد لولده و اهتمامه به من جهة، و مدي تعلق الولد



[ صفحه 18]



بوالده من جهة أخري، فقد نقل قول أمية: كنت مع أبي الحسن عليه السلام بمكة، في السنة التي حج فيها، ثم صار الي خراسان، و معه أبوجعفر، و أبوالحسن عليه السلام يودع البيت، فلما قضي طوافه عدل الي المقام فصلي عنده، فصار أبوجعفر الي الحجر فجلس فيه، فأطال. فقال له موفق: ثم جلعت فداك. فقال: «ما أريد أن أبرح من مكاني هذا الا أن يشاء الله»، و استبان في وجهه الغم. فأتي موفق أباالحسن عليه السلام فقال له: جعلت فداك قد جلس أبوجعفر في الحجر، و هو يأبي أن يقوم، فقام أبوالحسن عليه السلام فأتي أباجعفر فقال: «قم يا حبيبي». فقال عليه السلام: «ما أريد أن أبرح من مكاني هذا». قال عليه السلام عليهم السلام «بلي يا حبيبي». ثم قال عليه السلام: «كيف أقوم و قد ودعت البيت وداعا لا ترجع اليه»؟ فقال له عليه السلام: «قم يا حبيبي»، فقام معه [7] .


پاورقي

[1] الفروع من الكافي 360 / 3: 6.

[2] عيون المعجزات: 121 و عنه بحارالأنوار 50: 15 / 19.

[3] اثبات الوصية: 183.

[4] عيون أخبار الرضا 2: 266 باب 60، و عنه بحارالأنوار 50: 18 / 2.

[5] تفسير العياشي 1: 132 - 131.

[6] مناقب آل أبي طالب 4: 388.

[7] كشف الغمة 3: 155.