بازگشت

ما قيل في رثائه


و قبل اختتام هذه الدراسة نفتح صفحة الأدب، و من الأدب ننتخب ملف الشعر الذي هو أحد أقوي مفردات الأدب العربي شيوعا، و أبرز الوسائل الاعلامية و أكثرها فاعلية و انتشارا يومذاك، و حتي في عصرنا الحاضر الذي بهت فيه بريق الشعر، و قل الاهتمام بالشعر و الشعراء الي حد كبير جدا، حيث أصبح الشعر في البرامج و المهرجانات و الاحتفالات مادة لمل ء الفراغ، فانه - مع ذلك - ما تزال له رنة و تأثير علي السامعين يفوق أي وسيلة اعلامية أخري.

و للأثر البالغ للشعر علي مسامع الناس، و لشدة تعاطفهم مع ايقاعاته الموسيقية، و ميل النفوس اليه، فقد قال فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «ان من الشعر



[ صفحه 138]



لحكما، و ان من البيان لسحرا» [1] .

كما أن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد اقتفوا أثر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فاستنشدوا الشعر، و بعضهم أنشد. و قربوا الشعراء المبدأيين المنافحين عن الحق و العدل و أهله، و حثوهم علي قول الشعر و أجزلوا لهم العطاء و وعدوهم الجنة. قال الامام الصادق عليه السلام: «من قال فينا بيت شعر بني الله له بيتا في الجنة» [2] .

و عليه فقد برز شعراء أفذاذ مثاليون نصروا الحق، و لم تأخذهم في الله لومة لائم، و نافحوا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام و مدحوهم و رثوهم بأحسن ما يكون المدح و الرثاء، أمثال الشهيد دعبل الخزاعي، و الكميت الأسدي، و مهيار، و كوكبة لا تحصي عدا منذ الصدر الأول و الي يومنا هذا. فملأوا بمديحهم و رثائهم عشرات الدواوين، و طبيعي أن يكون لامامنا أبي جعفر الثاني عليه السلام نصيب من ذلك المديح و الرثاء، باعتباره حلقة من حلقات سلسلة الذهب. و قد وقفنا علي الكثير من شعر المدح و الرثا بشأن الامامين الهمامين الجواد و جده موسي بن جعفر عليهماالسلام، و ما يختص بالجواد عليه السلام وحده. انتخبنا منه ما تتسع له دراستنا هذه، فالي المراثي و المديح التي راعينا في ترتيب أبياتها التسلسل التاريخي حسب سني وفاة ناظميها:

1 - فأقدم نص وقفنا عليه في مديح الامام الجواد عليه السلام و آبائه الطاهرين عليه السلام هو للشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفي سنة» 230 ه»، المعاصر للامام الجواد عليه السلام. و القصيدة تتألف من» 59 «بيتا، و هي



[ صفحه 139]



ليست في ديوانه المطبوع، عثر عليها الشيخ حسين علي آل سليمان البحراني فأثبتها كاملة في رياضه، و مطلعها:



حصحص الحق فاسهري أو فنامي

عن ملامي ستحتوين ملامي



ثم يصل بعد عدة أبيات الي غرضه فيقول:



ربي الله و الأمين نبيي

صفوة الله و الوصي امامي



ثم سبطا محمد تالياه

و علي و باقر العلم حامي



و التقي الزكي جعفر الطيب

مأوي المعتو و المعتام



ثم موسي ثم الرضا علم الفصل

الذي طال سائر الأعلام



و المصفي محمد بن علي

و المعري من كل سوء و ذام



أبرزت منه رأفة الله بالناس

لترك الظلام بدر التمام



فرع صدق نمي الي الرتبة العليا

و فرع النبي لا شك نامي



فهو ماض علي البديهة بالفيصل

من رأي هبرزي همام



عالم بالامور غارت فلم

تنجم و هذا يكون بالانجام



بالامور التي تبيت تقاسيها

علي حين سكرة النوام



هؤلاء الاولي أقام بهم

حجته ذوالجلال و الاكرام



عصبة لست منكرا أنني

يفني قعودي بحبهم و قيامي [3] .



[ صفحه 140]



2 - و في المقتضب روي ابن عياش عن عبدالله بن محمد المسعودي، قال: حدثني المغيرة بن محمد المهلبي، قال أنشدني عبدالله بن أيوب الخريبي [4] الشاعر، و كان انقطاعه الي أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام، و لما توفي عليه السلام وقف يؤبنه و يمتدح أباجعفر محمدا ابنه بقصيدة طويلة يقول فيها:



يابن الذبيح و يابن أعراق الثري

طابت أرومته و طاب عروقا



يابن الوصي وصي أفضل مرسل

أعني النبي الصادق المصدوقا



ما لف في خرق القوابل مثله

أسد يلف مع الخريق خريقا



يا أيها الحبل المتين متي أعذ

يوما بعقوته أجده وثيقا



أنا عائذ بك في القيامة لائذ

أبغي لديك من النجاة طريقا



لا يسبقني في شفاعتكم غدا

أحد فلست بحبكم مسبوقا



يابن الثمانية الأئمة غربوا

و أبا الثلاثة شرقوا تشريقا



ان المشارق و المغارب أنتم

جاء الكتاب بذلكم تصديقا [5] .



[ صفحه 141]



3 - أما شاعر الولاء لأهل البيت عليهم السلام أبومحمد العوني [6] ، فقد نظم في مولد الامام الجواد عليه السلام أبياتا يقول فيها:



هذا الذي اذ ولدته أمه

عاجلها منه حسيبا فابتدر



حتي تفرغن النسا من حولها

و قلن هذا هو أمر مبتكر



و الولد الطيب قد جلله

عنهن مولاه بثوب فاستتر [7] .



4 - و لأبي الفتح علي بن عيسي الاربلي قصيدة في مدح الامام الجواد عليه السلام و بيان فضله أثبتها في كتابه كشف الغمة يقول فيها:



حماد حماد للمثني حماد

علي آلاء مولانا الجواد



امام هدي له شرف و مجد

علا بهما علي السبع الشداد



امام هدي له شرف و مجد

أقر به الموالي و المعادي



تصوب يداه بالجدوي فتغني

عن الأنواء في السنة الجماد



يبخل جود كفيه اذا ما

جري في الجود منهل الغواد



فواضله و أنعمه غزار

عهدن أبر من سح العهاد



فمن يرجو اللحاق به اذا ما

أتي بطريق فخر أو تلاد





[ صفحه 142]



من القوم الذين أقر طوعا

بفضلهم الأصادق و الأعادي



بهم عرف الوري سبل المعالي

و هم دلوا الأنام سبل الرشاد



و هم من غير شك و خلف

اذا أنصفت سادات العباد



أيا مولاي دعوة ذي ولاء

اليكم ينتمي و بكم ينادي



و قد قدمتكم زادا لسيري

الي الاخري و نعم الزاد زادي



فأنتم عدتي ان ناب دهر

و أنتم ان عري خطب عتادي [8] .



5 - و للشيخ الحر العاملي محمد بن الحسن بن علي المنتهي نسبه الي الشهيد الحر الرياحي رضي الله عنه و المتوفي سنة» 1104 ه»، أرجوزة طويلة في تاريخ الامام الجواد عليه السلام و بيان معجزاته و فضائله، منها قوله:



نصوصه كثيرة تواترت

معجزاته كذاك اشتهرت



و ما جري له مع المأمون

من موطئات العلم و اليقين



ان كان طفلا و بدا ما قد بدا

من فضله و علمه لذي الهدي



و امتحنوه و أجاب العلما

جواب عالم درس و علما [9] .



6 - و ثمة ميمية للسيد صالح النجفي القزويني المتوفي سنة» 1306 ه» في تاريخ الامام عليه السلام أبان فيها فضائله و معجزاته، و مطلعها:



سل الدار عن ساكنها أين يمموا

فهل أنجدوا يوم استقلوا و اتهموا





[ صفحه 143]



و منها قوله في رثائه عليه السلام:



فيا لقصير العمر طال لموته

علي الدين و الدنيا البكا و التألم



بفقدك قد أثكلت شرعة أحمد

فشرعته الغراء بعدك أيم



عفا بعدك الاسلام حزنا و أطفئت

مصابيح دين الله فالكون مظلم



فيالك مفقودا ذوت بهجة الهدي

له و هوت من هالة المجد أنجم



يمينا فما لله الاك حجة

يعاقب فيه من يشاء و يرحم



و ليس لآخذ الثأر الا محجب

به كل ركن للظلال يهدم [10] .



7 - و نظم الشيخ جعفر الشرقي النجفي المتوفي سنة» 1309 ه» رائية في مدح الامامين الكاظمين بابي الحوائج بمناسبة اتمام عمارة الصحن و مرقدهما الشريف عام» 1301 ه» يقول فيها:



جواد يمير السحب جود يمينه

علي أن فيض البحر راحته اليسري



امام يمد الشمس نورا فان تغب

كسا بسنا أنواره الأنجم الزهرا



فحق اذا أزهرت في صحن داره

و درن علي ما حول مرقده دورا



و مذ زين الأفلاك أحسن زينة

خضعن له لا بل سجدن له شكرا



و من يك موصولا بأحمد في العلي

تهيب غير الذكر في نعته الذكرا



مدينة قدس قدس الله سرها

و شرفها حتي علي عرشه قدرا





[ صفحه 144]



لقد حشرت فيها الملائك و الملا

جميعا و لما تدرك البعث و الحشرا



أحاطت بموسي و الجواد فقل لمن

بهم غير علم الله لم يحط خبرا



أبوهم علي الطهر من بعد أحمد

نبي الهدي و الام فاطمة الزهرا [11] .



8 - أما الشاعر المفلق عبدالباقي بن سليمان بن أحمد العمري الفاروقي الموصلي المتوفي سنة» 1279 ه / 1862 م» فله في مدح الامامين الجوادين هذه الأبيات:



حظرة الكاظمين منها المرايا

قد حكت قلب صب أهل الطفوف



قد أظلت شمسا بغير كسوف

و أقلت بدرا بغير خسوف



و طوت (كاظما) و لفت (جوادا)

فازدهت بالمطوي و الملفوف



شرفت فيهما و ما كل ظرف

حاز تشريفه من المظروف



و هي لما علي السماء أنافت

بهما قلت يا سما المجد نوفي



لا تلمني علي وقوفي بباب

تتمني الأملاك فيه وقوفي



هو باب مجرب ذو خواص

كان منها اغاثة الملهوف



ملجأ العاجزين كهف اليتامي

مروة المرملين مأوي الضيوف



فليلمني من شاء اني موال

رافل من ولائهم بشغوف [12] .





[ صفحه 145]



9 - و للعلامة الأديب الشيخ محمد رضا المظفر المتوفي سنة» 1383 ه» منظومة تائية في رثاء الامام الجواد عليه السلام و تاريخ حياته، منها قوله:



بالامام الجواد منكم تمسكت

و حسبي من قدسه النفحات



حدث قلد الامامة فانقا

دت لعلياء حكمه الحادثات



ابن سبع و يا بروحي قد قام

اماما تجلي به الكربات



لا تخل ويك و هو في المهد طفل

هذبته بدرها المرضعات



هو نور منق بل أن تتجلي

بسنا الحق هذه الكائنات



طاب في شهر طاعة الله مولودا

فنيطت بحبه الطاعات



و اصطفاه الاله للخلق قواما

فقامت لفضله المعجزات



يا أباجعفر و ما أنت الا البحر

جودا له الهدي مرساة



كيف تقضي سما غريبا و باسم

الله تجري و لا سمك الحادثات



أنت أدري بما أتت فيه أم

الفضل لكن شاءت لك النازلات [13] .



10 - أما الشيخ جعفر النقدي المولود سنة» 1303 ه» و المتوفي سنة» 1358 ه» فله قصيدة دالية في مديح الامام الجواد عليه السلام و رثائه، انتخبنا منها الأبيات التالية و مطلعها:



نفت عن مقلتي طيب الرقاد

أحاديث الصبابة في سعاد



[ صفحه 146]



الي أن يقول:



لكم غزلي و مدحي في امامي

أبي الهادي محمد الجواد



هو البر التقي حمي البرايا

و غيث المجتدي غوث المنادي



امام أوجب الباري ولاه

و طاعته علي كل العباد



اذا ما سدت الأبواب فاقصد

(جواد) بني الهدي باب المراد



تري بابا به الحاجات تقضي

و منتجعا خصيب المستراد



و كم ظهرت له من معجزات

رآهن الحواضر و البوادي



و دس لقتله سما زعافا

زنيم ليس يؤمن بالمعاد [14] .




پاورقي

[1] بحارالأنوار 79: 290.

[2] بحارالأنوار 79: 291 / 9، نقلا عن عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 15 / 1.

[3] رياض المدح و الرثاء / الشيخ حسين البحراني: 723 طبعة المكتبة الحيدرية - قم 1410، تحقيق حسن عبدالأمير.

[4] عبدالله بن أيوب، أبومحمد الخريبي البصري: نسبة الي الخريبة و هو موضع مشهور بالبصرة. أديب، فاضل. لزم الامام الرضا عليه السلام، و لعله كان شاعره. ذكره ابن شهر آشوب في المعالم: 152 ضمن الشعراء المتقين. و ترجم له سيد الأعيان في موسوعته الرجالية أعيان الشيعة 8: 46.

[5] أعيان الشيعة 2: 36.

[6] طلحة بن عبيدالله بن محمد بن أبي عون، أبومحمد العوني الغساني: شاعر شهير، أكثر نظمه في أهل البيت عليهم السلام. توفي حوالي سنة) 350 ه) بمصر. ترجم له السيد الأمين في أعيانه 7: 401. و العلامة الأميني في الغدير 4: 175 الطبعة المحققة.

[7] مناقب آل أبي طالب 4: 388.

[8] كشف الغمة 3: 164.

[9] نزهة الجليس و منية الأنيس 2: 111.

[10] الدمعة الساكبة 8: 87.

[11] شعراء الغري 2: 62.

[12] موسوعة العتبات المقدسة 9: 83.

[13] شعراء الغري 8: 474.

[14] رياض المدح و الرثاء: 753 الطبعة المحققة.