التوحيد و الصفات
فعندما يسئل من قبل عبدالرحمن بن أبي نجران عن التوحيد حين قال له: أتوهم شيئا؟
أجابه الامام عليه السلام من فوره: «نعم، غير معقول و لا محدود، فما وقع وهمك عليه من شي ء فهو خلافه، لا يشبهه شي ء، و لا تدركه الأوهام.
كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل، و خلاف ما يتصور في الأوهام؟ انما يتوهم شي ء غير معقول و لا محدود» [1] .
و يسأل الامام عليه السلام أيضا عن الباري تبارك و تعالي أنه يجوز أن يقال له: انه شي ء؟
(قال: «نعم، يخرجه من الحدين: حد التعطيل، و حد التشبيه») [2] .
و في الكافي أيضا أن عبدالرحمن بن أبي نجران كتب الي أبي جعفر عليه السلام أو سأله قائلا: (جعلني الله فداك، نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟
فقال: «ان من عبد الاسم دون المسمي بالأسماء أشرك و كفر و جحد، و لم يعبد شيئا، بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمي بهذه الأسماء، دون
[ صفحه 104]
الأسماء. ان الأسماء صفات وصف بها نفسه») [3] .
و في اطار الأسماء و الصفات لله تبارك و تعالي، يسأله داود بن القاسم أبوهاشم الجعفري عن معني الواحد. فيجيبه الامام عليه السلام قائلا: «اجماع الألسن عليه بالوحدانية، كقوله تعالي: (و لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله)» [4] .
و روي داود بن القاسم أبوهاشم الجعفري أن رجلا ناظر الامام الجواد عليه السلام في أسماء الله تعالي و صفاته، فقال: (كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرب تبارك و تعالي، له أسماء و صفات في كتابه؟ و أسماؤه و صفاته هي هو؟
فقال أبوجعفر عليه السلام: «ان لهذا الكلام وجهين:
ان كنت تقول: هي هو، أي أنه ذو عدد و كثرة فتعالي الله عن ذلك.
و ان كنت تقول: هذه الصفات و الأسماء لم تزل فان (لم تزل) محتمل معنيين: فان قلت: لم تزل عنده في علمه و هو مستحقها، فنعم.
و ان كنت تقول: لم يزل تصويرها و هجاؤها و تقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شي ء غيره، بل كان الله و لا خلق، ثم خلقها - أي الأسماء - وسيلة بينه و بين خلقه يتضرعون بها اليه، و يعبدونه و هي ذكره.
و كان الله و لا ذكر، و المذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل، و الأسماء و الصفات مخلوقات. و المعاني و المعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف و لا الائتلاف و انما يختلف و يأتلف المتجزي ء، فلا يقال: الله مؤتلف، و لا: الله
[ صفحه 105]
قليل، و لا كثير، ولكنه القديم في ذاته؛ لأن ما سوي الواحد متجزي ء، و الله واحد لا متجزي ء، و لا متوهم بالقلة و الكثرة، و كل متجزي ء أو متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال علي خالق له.
فقولك: (ان الله قدير)، خبرت أنه لا يعجزه شي ء فنفيت بالكلمة العجز، و جلعت العجز سواه. و كذلك قولك: (عالم)، انما نفيت بالكلمة الجهل، و جعلت الجهل سواه. و اذا أنفي الله الأشياء أفني الصورة و الهجاء و التقطيع، و لا يزال من لم يزل عالما».
فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعا؟
فقال الامام: «لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأسماع، و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، و كذلك سميناه بصيرا؛ لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار. من لون أو شخص أو غير ذلك، و لم نصفه ببصر لحظة العين.
و كذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي ء اللطيف مثل البعوضة و أخفي من ذلك، و موضع النشوء منها، و العقل و الشهوة للسفاد و الحدب علي نسلها، و اقام بعضها علي بعض، و نقلها الطعام و الشراب الي أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار. فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، و انما الكيفية للمخلوق المكيف.
و كذلك سمينا ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه و لاحتمل الزيادة، و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم، و ما كان غير قديم كان عاجزا.
فربنا تبارك وتعالي لا شبه له و لا ضد، و لا ند، و لا كيف، و لا نهاية، و لا
[ صفحه 106]
تبصار بصر. و محرم علي القلوب أن تمثله، و علي الأوهام أن تحده، و علي الضمائر أن تكونه جل و عز من أداة خلقه، و سمات بريته، و تعالي عن ذلك علوا كبيرا» [5] .
پاورقي
[1] اصول الكافي 1: 82 / 1 باب اطلاق القول بأنه شي ء من كتاب التوحيد.
[2] اصول الكافي 1: 82 / 2. و راجع: التوحيد / الصدوق: 107.
[3] اصول الكافي 1: 87 / 3 باب المعبود من كتاب التوحيد.
[4] اصول الكافي 12 / 1: 118. و الآية من سورة الزخرف: 43 / 87.
[5] اصول الكافي 1: 116 / 7. و راجع: التوحيد / الصدوق: 193.