بازگشت

دوره في الفقه و أحكام الشريعة


لفقه مدرسة أهل البيت عليهم السلام سمات بارزة متميزة عن سائر الفقه السائد



[ صفحه 93]



في المدرسة الرأي، و خلاصة تلك السمات أنه يستمد مقوماته من القرآن الكريم أولا، ثم السنة الثابتة ثانيا، و لهذا أصبح فقه مدرسة أهل البيت عليهم السلام هو الامتداد الطبيعي لفقه القرآن الكريم و السنة المطهرة، و ليس فيه شي ء من عمل الرأي أو استعمال القياس و الاستحسان و ما شابه ذلك، و هناك عشرات بل مئات الروايات المصرحة بأن كل ما لدي أهل البيت عليهم السلام انما هو عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم توارثوه واحدا بعد واحد وصولا الي الامام المهدي عليه السلام [1] .

و يتميز أيضا بالشمولية فانه لم يدع ملحظا كليا أو جزئيا الا و قد بينه بمنتهي الدقة و التفصيل، أما من حيث الامتداد الزماني فهو فقه الأمس و اليوم و غدا، لصلاحيته لكل زمان و امتداده الي حل كل مشكلات الحياة.

و مما تقدم يتبين أن فقه أهل البيت فقه واحد لا يقبل التفكيك و الفصل، فلا يمكننا أن نقول: ان هذا هو فقه الامام علي عليه السلام و هذا فقه الامام الصادق عليه السلام و هكذا بالنسبة الي جميع أئمة أهل البيت المعصومين عليهم السلام.

فحديثنا اذن عن دور الامام الجواد الفقهي هو عين الحديث عن فقه أهل البيت عليهم السلام الذين أمرنا بطاعتهم و الاقتداء بهديهم و التمسك بحبلهم، و ذلك أمان من الضلالة بنص حديث الثقلين المتواتر عند جميع فرق المسلمين.

أما عن الموارد الفقهية الكثيرة المروية عن الامام الجواد عليه السلام و التي لا تتسع لها هذه الدراسة الموجزة؛ فهي دالة بلا شك علي أنه عليه السلام ملأ الفراغ الفقهي في عصره و أنه قد أغني الساحة الاسلامية، و شيعته علي وجه



[ صفحه 94]



الخصوص عن غيره، فلم يلتمسوا حلول مشكلاتهم و اجابات اسئلتهم من أحد غيره، و هم الطائفة الواسعة الانتشار في شرق بلاد المسلمين و غربها.

و من خلال قراءة و استعراض لبعض تلك الموارد نستخلص أن الامام الجواد عليه السلام كان مبرزا علي جمهور الفقهاء، و كبار العلماء و القضاة المعاصرين له...

فمن حيث مجلسه عليه السلام في ديوان الخلافة، ما كان ليجلس الا بموازاة مجلس الخليفة، و العلماء و القضاة في مجلسهم جميعا كانوا دون مجلسه، و يمثلون بين يديه - هيبة - عند محادثته.

و أما آراؤه في (العقيدة، و التفسير، و الفقه) فهي المقدمة علي بقية الآراء؛ لأنها تعكس واقعا و حقيقة روح الاسلام، و ذلك اذ يتجلي من خلال ما مر من مناظرات أو من خلال ما أثبته لنا التأريخ في قصة الزواج في عهد المأمون... أو قصة السارق الذي اعترف علي نفسه بالسرقة في عهد المعتصم، و قد طلب السارق من الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه. فأرجي ء الحكم عليه الي وقت معلوم. و استدعي المعتصم لذلك جمعا من العلماء و القضاة الي مجلسه للحكم في القضية، و استدعي من جملة من استدعي الامام الجواد عليه السلام الي ذلك المجلس الضخم الذي عقده لهذا الغرض، و كان الامام عليه السلام يومذاك الشاب ابن الخامسة و العشرين سنة أو نحوها.

و رغم أن الرواية التي بين أيدينا لم تسم الفقهاء الذين حضروا مجلس الحكم، و لا عددهم؛ لكن بداهة يمكن الجزم - و يشاركنا هذا الرأي كل أحد - بأن الخليفة ما يستدعي الي مجلسه الا الطبقة الاولي من فقهاء بغداد، و محدثيها المرموقين، و قضاتها المتمكنين، لا ضعافها و مغموريها أو



[ صفحه 95]



أذناب الناس و شذاذهم. و عليه نستطيع أن نشخص مجموعة من فقهاء تلك المرحلة، و رؤوس مذاهبها، و أكابر قضاتها من الذين يمكن أن يستدعون الي ديوان الخلافة؛ لابداء رأي فقهي، أمثال: ابراهيم بن سيار بن النظام (ت / 231 ه)، ابراهيم بن المهدي المصيصي (ت / 225 ه) أبوثور ابراهيم ابن خالد الكلبي البغدادي (ت / 240 ه)، أبوحسان الزيادي الحسن بن عثمان (ت / 242 ه) و قيل: أبوحيان، أبوخيثمة زهير بن حرب النسائي (ت / 234 ه)، أبومعمر الهذلي (ت / 236 ه)، أبونصر التمار، أبوالهذيل محمد بن الهذيل العلاف العبدي (ت / 235 ه)، كان نسيج وحده و عالم دهره، لم يتقدمه أحد من الموافقين له و لا من المخالفين، أحمد بن ابراهيم الدورقي العبدي (ت / 246 ه)، أحمد بن أبي دؤاد (ت / 240 ه) قاضي قضاة الدولة العباسية، أحمد بن حنبل (ت / 241 ه) و لو أنه لم يكن يحضر مجالس الخلفاء الا أنه لا يمنع أن يجيب اذا استدعي، أحمد بن الفرات (ت / 258 ه)، أحمد بن منيع البغوي (ت / 244 ه)، اسحاق بن أبي اسرائيل، اسماعيل بن اسحاق السراج، اسماعيل بن أبي أويس (ت / 226 ه) و هو ابن أخت مالك بن أنس، اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة ولي القضاء للمعتصم بعد ابن سماعة، بشر بن المعتمر الهلالي رئيس معتزلة بغداد في زمانه، بشر ابن الوليد الكندي الحنفي (ت / 238 ه)، ثمامة بن الأشرس و كان واحد دهره في العلم و الأدب، جعفر بن حرب الهمداني (ت / 236 ه)، جعفر ابن عيسي الحسني أحد القضاة، جعفر بن مبشر الثقفي (ت / 234 ه)، الحسن ابن عرفة العبدي (ت / 257 ه)، حفص بن عمر بن عبدالعزيز الدوري البغدادي (ت / 246 ه) امام القراء و شيخ زمانه، حيان بن بشر تسلم قضاء الكرخ سنة (237 ه)، خلف بن هشام البزار (ت / 229 ه)، سجادة أبوعلي



[ صفحه 96]



الحسن بن حماد الحضرمي البغدادي (ت / 241 ه) من أجلة العلماء في زمانه، سعدويه الواسطي سعيد بن سليمان (ت / 225 ه)، سليمان بن داود العتكي (ت / 234 ه)، سوار بن عبدالله العبري التميمي (ت / 245 ه) تسلم قضاء الرصافة سنة (237 ه)، شجاع بن مخلد الفلاس البغوي (ت / 235 ه)، شعيب بن سهل الرازي الملقب شعبويه (ت / 246 ه) قاضي الرصافة للمعتصم العباسي، عبدالرحمن بن اسحاق الشافعي القاضي، عبدالرحمن ابن كيسان الأصم، عبيدالله بن محمد بن الحسن، علي بن الجعد الجوهري البغدادي (ت / 230 ه) الحافظ الحجة مسند بغداد، علي بن الجنيد الاسكافي، عيسي ابن صبيح أبوموسي من علماء المعتزلة و المقدمين فيهم، قتيبة بن سعد، القواريري عبيدالله بن عمر، كامل بن طلحة الجحدري (ت / 231 ه)، المحاسبي الحارث بن أسد (ت / 243 ه)، محمد ابن بكار بن الريان البغدادي (ت / 238 ه)، محمد بن حاتم بن ميمون السمين (ت / 235 ه) الحافظ المجود المفسر، محمد بن الحسين البرجلاني الحنبلي (ت / 238 ه)، محمد بن حماد و كان مقربا من المأمون العباسي، محمد بن سعد (ت / 230 ه) صاحب الطبقات الكبري، محمد بن سماعة (ت / 233 ه) تولي القضاء للرشيد و بقي فيه الي أن ضعف بصره في عهد المعتصم فصرفه عنه باسماعيل بن حماد و توفي و له مئة و ثلاث سنين، محمد بن عبدالله بن المبارك المخرمي (ت / 254 ه)، محمد بن هارون الوراق (ت / 247 ه)، النضر بن شميل، هارون بن عبدالله الحمال البغدادي (ت / 243 ه)، هارون بن عبدالله الزهري (ت / 232 ه)، يحيي ابن أكثم التميمي المروزي البغدادي (ت / 242 ه) قاضي القضاة الفقيه العلامة من أئمة الاجتهاد، يحيي بن معين أبوزكريا المري البغدادي (ت / 233 ه)



[ صفحه 97]



الحافظ شيخ المحدثين و امامهم، يعقوب بن ابراهيم الدورقي (ت / 252 ه) محدث العراق [2] .

و أضراب هؤلاء كثير مما يطول به المقام من الذين كانوا ببغداد يومذاك و يشار اليهم بالمشيخة و التفرد بالفضل و العلم.

فالرواية التي ينقلها العياشي عن زرقان و هو محمد بن شداد أبويعلي المسمعي (ت / 278 أو 279 ه) و قد عمر طويلا، و هو أيضا من الفقهاء و المتكلمين. قال العياشي: عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد و صديقه بشدة، قال: رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم و هو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة، قال: قلت له: و لم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود أباجعفر محمد بن علي ابن موسي اليوم بين يدي أميرالمؤمنين المعتصم، قال: قلت له: و كيف كان ذلك؟ قال: ان سارقا أقر علي نفسه بالسرقة، و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، و قد أحضر محمد بن علي عليه السلام، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع، قال: و ما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع و الكف الي الكرسوع؛



[ صفحه 98]



لقول الله في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم) [3] و اتفق معي علي ذلك قوم.

و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: و ما الدليل علي ذلك؟ قالوا: لأن الله لما قال: (و أيديكم الي المرافق) [4] في الغسل دل ذلك علي أن حد اليد هو المرفق، قال: فالتفت الي محمد بن علي عليه السلام، فقال: ما تقول في هذا يا أباجعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أميرالمؤمنين، قال: دعني مما تكلموا به، أي شي ء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أميرالمؤمنين. قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه، فقال: أما اذا أقسمت علي بالله اني أقول انهم أخطأوا فيه السنة، فان القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف. قال: و ما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: السجود علي سبعة أعضاء: الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين [5] فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، و قال الله تبارك و تعالي: (و أن المساجد لله) [6] يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحدا) و ما كان لله لم يقطع، قال: فأعجب المعتصم ذلك و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف، قال ابن أبي دؤاد: قامت قيامتي و تمنيت أني لم أك



[ صفحه 99]



حيا [7] .

فلسان الرواية يبين أن الخليفة أعد مسبقا لذلك المجلس جمعا غفيرا من الفقهاء للحكم في هذه المسألة، و يبدو أيضا أنه اختارهم علي مختلف المشارب و الاتجاهات الفقهية و الفكرية؛ لأن الوقت آنذاك كان وقت كلام و مساجلات و تعدد في الآراء الفقهية.


پاورقي

[1] راجع: اصول الكافي 1: 263 / 1 - 3 و 265 / 2 و 268 / 9 و في غير موضع منه.

[2] اعتمدنا في استخلاص هذه الجمهرة من علماء و قضاة بغداد المعاصرين للامام الجواد عليه السلام في تلك الفترة: البداية و النهاية 10: 299 حوادث سنة (218 ه). و تاريخ أبي الفداء 1: 340. و تاريخ الخلفاء / السيوطي: 312 - 309 بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد. و تاريخ الطبري 7: 206 - 187 حوادث سنة (218 ه). و طبقات الفقهاء / أبواسحاق الشيرازي الشافعي (ت / 476 ه). و الكامل في التاريخ 6: 3 - 6 مراجعة و تصحيح الدكتور محمد يوسف الدقاق. و محاضرات تاريخ الامم الاسلامية / الخضري 2: 215 - 212. و الوفيات / ابن قنفذ (ت / 809 ه) و غيرها.

[3] سورة النساء: 4 / 43.

[4] سورة المائدة: 5 / 6.

[5] صحيح البخاري 1: 280 / 776 و 777 باب السجود علي سبعة أعظم أخرجه عن ابن عباس. و الجامع الصحيح 1: 446 / 231 (491) أخرجه عن العباس بن عبدالمطلب. و كذا الأحاديث 230 - 227. و سنن ابن ماجة 1: 282 / 884 و 885.

[6] سورة الجن: 72 / 18.

[7] تفسير العياشي 1: 320 - 319 / 109 طبع طهران بتحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.