بازگشت

ظروف ما قبل الميلاد


لو عدنا قليلا الي الوراء... أي الي ما قبل مولد أبي جعفر الثاني عليه السلام بسنة أو نحوها، لو جدنا أن ظروفا عصيبة مرت بأبيه الامام الرضا عليه السلام، الذي عاني في أخريات سني حياته الشريفة من أزمات حادة، كان يثيرها بعض الواقفة و الانتهازيين؛ للتشكيك بامامته عليه السلام بعدم انجابه الولد. ذلك أنه كان مركوزا في الذهنية العامة للمسلمين أن من علامات الامام المعصوم أن يخلفه امام من صلبه، اذ لا تكون الامامة في أخ أو عم أو غيرهم، فقد سئل الامام الرضا عليه السلام، أتكون الامامة في عم أو خال؟ فقال: «لا، فقلت: ففي أخ؟ قال: لا، قلت: ففي من؟ قال: في ولدي، و هو يومئذ لا ولد له» [1] .

و أغلب الظن أن الأيدي العباسية لم تكن بعيدة عن ساحة قدس الامام الرضا عليه السلام في التنقيب و افتعال الحوادث و المواقف للنيل من امامته عليه السلام و الطعن فيها.

نعم، من هنا كانت معاناة الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام تتزايد يوما بعد



[ صفحه 12]



يوم، خاصة و قد امتد به العمر الي نحو الخامسة و الأربعين، و لم يكن قد خلف بعد (الولد) الذي يليه بالامامة، ثم الذي زاد المحنة سوءا هو تكالب بعض اخوته و عمومته و أبناء عمومته من العلويين و العباسيين عليه، حسدا من بعضهم، و بغضا و كرها من البعض الآخر.. و ثمة تأليب الانتهازيين و السلطويين علي البيت النبوي عموما، حيث أثاروا جميعا حول شخصية الامام العظيمة غبار حسدهم و أحقادهم الدفينة.

لكن الامام عليه السلام كان يقف أمامهم بحزم... و يجيبهم جواب الواثق المطمئن من نفسه بأن الليالي و الأيام لا تمضي حتي يرزقه الله ولدا يفرق به بين الحق و الباطل. هذا الموقف نستشفه من رواية محمد بن يعقوب الكليني، قال: كتب ابن قياما [2] الي أبي الحسن الرضا عليه السلام كتابا يقول فيه: كيف تكون اماما و ليس لك ولد؟

فأجابه أبوالحسن عليه السلام: «و ما علمك أنه لا يكون لي ولد؟! و الله لا تمضي الأيام و الليالي حتي يرزقني الله ذكرا يفرق بين الحق و الباطل») [3] .

و ينقلنا الكليني عليه الرحمة الي مشهد آخر مع نفس هذا الموقفي، و هو يصف حواره مع الامام الرضا عليه السلام بقوله: دخلت علي علي بن موسي، فقلت له: أيكون امامان؟ قال: «لا، الا أن يكون أحدهما صامتا». فقلت له: هو ذا أنت، ليس لك صامت! فقال لي: «و الله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق و أهله، و يمحق به الباطل و أهله» و لم يكن في الوقت له ولد، فولد له أبو



[ صفحه 13]



جعفر عليه السلام بعد سنة [4] .

و حتي بعد مولد أبي جعفر التقي عليه السلام لم يكن المشككون منفكين من محاولاتهم تلك حتي رأوا البينة و أذعنوا لها صاغرين، هم و من جاءوا بهم من القافة أجمعين. و هنلك رقي ابن الرضا عليه السلام درجات منبر، و ألقي خطبة قصيرة بليغة، و صلت في مداها أقصي غاية المني في تأنيب المشككين، و ردع (الواقفة) و المتصيدين في الضباب، أو عكر من الماء، حين طعنوا في بنوة أبي جعفر عليه السلام و انتسابه للامام الرضا عليه السلام. فلقد جاءوا بالافك، و قول الزور... و انه لكبير ما ادعوه علي قدس الامامة، و الشرف الباذخ للبيت النبوي الطاهر.



مطهرون نقيات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا



كانت هذه لمحة ضوء خاطفة تطلعنا من خلال أشعتها علي بعض الظروف التي و اكبت و سبقت ولادة الامام أبي جعفر الجواد عليه السلام.. ثم يحين اليوم الموعود...


پاورقي

[1] أصول الكافي / الكليني 1: 286 / 3 كتاب التوحيد.

[2] ابن قياما الواسطي: واقفي، مخالف معروف.

[3] أصول الكافي 1: 320 / 4. و عنه نقل الشيخ المفيد في الارشاد 277: 2 بواسطة أبي القاسم جعفر ابن محمد بن قولويه. و راجع اثبات الوصية / المسعودي: 183.

[4] أصول الكافي 1: 321 / 7. و الارشاد 2: 278 - 277.