بازگشت

العطاء الفكري للامام


لابد للامام المعصوم أن يمارس نفس الأدوار و المهام التي كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يمارسها في حياة الأمة من تبليغ الرسالة... و هداية الأمة الي الرشاد.. أصالة عن دوره في تحمل أعباء الامامة المتعينة من قبل السماء، و التي «هي منزلة الأنبياء، وارث الأوصياء..» [1] ، و نيابة عن النبوة الخاتمة باعتبارهم الامتداد الطبيعي لها بما اكتسبوه من عصمة في الفكر و السلوك، و «ان الامامة خلافة الله، و خلافة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم» [2] ، و لهذا و ذاك فان حاجة الناس الي الامام كحاجتها الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم؛ لتعليق نظام أمورها الدينية و الدنيوية عليه.

و عليه فدراسة حياة الأئمة عليهم السلام باعتبارهم أوصياء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يجب أن تعتمد المنهجية الأصيلة في البحث؛ فتبرز خصائص الامام الذاتية و سيرته و سلوكه علي أنها متممة للسيرة النبوية المباركة من جانب، و من جانب آخر عليها - أي الدراسة - ابراز جانب التكليف الالهي لمنصب وصاية الأنبياء، و وظيفة الامام الرسالية في البناء الفكري و العقيدي للامة



[ صفحه 72]



الاسلامية، ثم هداية الشعوب و الامم الي خط الاسلام الأصيل، تماما كما كان يفعل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ابان الدعوة، و بعد انتشار الاسلام. و هكذا تحتفظ مسيرة حركة الأنبياء بتعجيلها في انطلاقتها الي آخر عمر الدنيا، حيث ان الاسلام رسالة خاتمة، و ليس بعده نبوة أو رسالة.

و لهذا اكتسب منصب الامامة و الوصاية أهمية بالغة و خطيرة في حركة الامة، و من هنا ندرك معني قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «من سره أن يحيا حياتي، و يموت مماتي، و يسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، و ليوال وليه، و ليقتد بأهل بيتي من بعدي فانهم عترتي، خلقوا من طينتي، و رزقوا فهمي و علمي» [3] .

فالأئمة اذن؛ قوام الله علي خلقه، و عرفاؤه علي عباده، و لا يدخل الله أحدا الجنة الا من قد عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النار الا من أنكرهم و أنكروه [4] .

و من خلال هذه السلسلة لأئمة الهدي الاثني عشر تطالع الأنموذج الأمثل لسيرة أولياء الله الصالحين، الهادين المهديين، و هي تضارع سيرة الأنبياء ان لم تكن تماثلها أو تسمو عليها في بعض الحالات. و لا تحسبن ذلك غلوا منا أو شططا من القول، فالصحيح المتواتر عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أن عيسي بن مريم و هو نبي من أولي العزم ينزل عند خروج المهدي صاحب الزمان (عج) و يكون بمثابة وزيره، و يصلي خلفه مأموما [5] .



[ صفحه 73]



و هكذا جميع الأئمة عليهم السلام كل له دوره المتميز، و هم متحدون في الصفات و الأهداف، و منهم امامنا الجواد عليه السلام الذي لا يختلف عن آبائه المعصومين عليهم السلام، انما تميزوا باختلاف أدوارهم، و تنوع مواقفهم حسب ظروف المرحلة التي مروا بها و طبيعتها.

و رغم قصر عمر أبي جعفر الثاني، فقد تميزت حياته بدور فاعل و مؤثر في حركة المجتمع خاصة و أنه مهد الطريق، و هيأ الأجواء لثلاثة أئمة أتوا من بعده كانت ظاهرة صغر السن بالنسبة الي بعضهم تشكل أمرا بالغ الخطورة، خاصة في قضية الامام القائم محمد بن الحسن المهدي عليه السلام.

و سوف نلمس العطاء الفكري و العلمي للامام الجواد عليه السلام من خلال أصحابه و تلامذته و الرواة عنه، و من خلال ما تناوله من علوم و معارف أثري بها مدوناتنا الفقهية و الحديثية، رغم (الحصار المبطن) الذي أحيط بالامام طيلة اقامته في بغداد و التي لم يفصح المؤرخون عن مدتها تحديدا؛ و من خلال كلماته القصار التي هي مناهج للعقيدة... و برامج عمل نحو السمو و التكامل الروحي لبناء الانسان وفق المنظور الاسلامي.


پاورقي

[1] الكافي 1: 200 / 1 عن الامام الرضا عليه السلام.

[2] المصدر السابق نفسه.

[3] كنز العمال 12: 103 / 34198 عن الطبراني في المعجم الكبير باسناده عن ابن عباس.

[4] راجع: نهج البلاغة: 212 خطبة 152 تنظيم صبحي الصالح.

[5] راجع: مصنف ابن أبي شيبة 15: 198 / 19495. و الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 78. و فيض القدير 6: 17. و راجع: دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 259 - 254 ففيه مزيد شرح و تفصيل.