بازگشت

ثورة عبدالرحمن في اليمن


بعد استتباب الامور للمأمون، و سيطرته التامة علي مجاري الشؤون الداخلية للدولة الاسلامية المترامية الأطراف، تندلع ثورة في نقطة بعيدة من أقاصي المملكة في اليمن بقيادة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، و هو يدعو للرضا من آل محمد [1] (سنة 9207 ه). و كان ذا جاه، فالتف حوله خلق كثير من شيعة أهل اليمن و من غيرهم ممن ضاقوا ذرعا من العباسيين و ولاتهم. و سرعان ما سيطرت الحركة علي البلاد، لتعاطف جماهير الامة معها. و التاريخ جد ظنين بأحداث هذه الثورة و ظروفها و أسبابها و مداخلاتها.

و هناك قول لم نتحقق صحته، أن الثائر عبدالرحمن أقدم من المدينة محمد بن علي بن موسي عليه السلام و دعا اليه سنة سبع و مئتين (207 ه) [2] .



[ صفحه 67]



و تتسارع أنباء الثورة الي بغداد عاصمة الخلافة، فيجهز المأمون جيشا كثيفا بقيادة دينار بن عبدالله، و يرسله الي اليمن لمساعدة و اليه المفوض هناك علي تهامة اليمن محمد بن ابراهيم بن عبيدالله بن زياد ابن أبيه، و عاصمته زبيد، لقمع الثورة، و كتب مع قائد الجيش كتاب أمان الي عبدالرحمن. و ما أن وصلت طلائع الجيش الي مشارف اليمن، و علم عبدالرحمن أن لا قبل له بها، و كان قد قري ء عليه كتاب الأمان، عندئذ لم يجد بدا من تسليم نفسه علي شرط الكتاب فقبض عليه و أرسل الي بغداد، فغضب المأمون بسببه علي الطالبيين و منعهم من الدخول الي مجلسه، ثم أجبرهم علي لبس السواد العباسي بدل الخضرة الطالبية [3] .

و كان محمد بن ابراهيم الزيادي من أشد الناس بغضا لعلي بن أبي طالب و أهل بيته عليهم السلام؛ لهذا لا يبعد أن يكون الرجل كجده لغير رشده [4] فاستعان هذا بالجيش في تقوية مركزه، فأوقع بالعلويين و أنصارهم و قتل شيعتهم و فرق جمعهم، و بدد أوصالهم، و اجتاح مناطق تواجدهم، و أخذ يوسع منطقة نفوذه حتي تم له الاستيلاء علي أغلب البلاد اليمنية [5] .



[ صفحه 68]




پاورقي

[1] الرضا من آل محمد: اصطلاح يطلق علي كل علوي يرتضونه خليفة عليهم، و يتصدي لقيادة الثورة فينادون به. أو يراد منه امام الوقت دون التعريف باسمه.

[2] المجدي في أنصاب الطالبيين / ابن الصوفي العمري العلوي: 295 طبع مكتبة المرعشي النجفي 1409 ه.

[3] تاريخ الطبري 7: 168 حوادث سنة (207 ه) طبعة القاهرة 1358 ه. و الكامل في التاريخ: 5: 468 الطبعة الثانية 1415 ه، تحقيق محمد يوسف الدقاق.

[4] أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 287 الطبعة المحققة، بسنده عن مالك بن أنس، عن ابن أبي الزناد قوله: (قالت الأنصار: ان كنا لنعرف الرجل الي غير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب عليه السلام). و راجع: فرائد السمطين / الجويني الشافعي 1: 365 / 293 فقد أخرجه بطريقة عن مالك بن أنس، عن ابن أبي الزناد أيضا، و راجع أيضا ما أخرجه في 1: 134 / 97 عن الزهري عن أنس بن مالك من أنه لا يبغض عليا من قريش الا سفحي، و لا من العرب الا دعي، و لا من سائر الناس الا شقي.

[5] راجع: تاريخ ابن خلدون 4: 148، 217. و طبقات سلاطين الاسلام / استانلي لين بول: 88 - 86 الطبعة الاولي 1406 ه الدار العالمية - بيروت.