بازگشت

القول بخلق القرآن


في ربيع الأول من عام (212 ه) أظهر المأمون لأول مرة القول بخلق القرآن الكريم، و تفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام، و أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. ثم بعد فترة أصدر (مرسوما) ملوكيا و عممه علي كافة ولايات الامبراطورية الاسلامية يدعو فيه القضاة و المحدثين للقول بخلق القرآن، و الا ردت شهاداتهم، و أمر باشخاص جماعة منهم اليه، و كان يومها في الرقة.

أما السبب الذي قاد الي أطروحة خلق القرآن هو أن بعض المثقفين و العلماء الذين لم يكونوا ميالين الي السلطة السياسية، و لم يستطيعوا خوض نضال سياسي و اجتماعي مكشوف مع السلطة خوفا علي استمرارية وجودهم في الحياة، لما تميز به الدور الأموي من طابع قمعي استبدادي.



[ صفحه 43]



فقد انتحلوا مذهب الاعتزال الذي أخذ بدوره يطور الفلسفة الاسلامية عن طريق علم الكلام الذي يغلب عليه الطابع السجالي العقلي الحر، و اعتماده الجدل المنطقي، و القياس في مناقشة القضايا الكلامية. ثم كان من مقولاتهم: المنزلة بين المنزلتين، و حرية الاختيار (التفويض)، و أخيرا خلق القرآن.

و بوصول نوبة الخلافة الي المأمون و دعمه مذهب الاعتزال، حدا به الموقف (السياسي - العقيدي) الي اتباع وسائل ادارية قسرية لفرض و اشاعة هذا المذهب، حتي بلغ الأمر أن أصدر مرسومه السلطاني - فيما بعد - بعدم تقليد منصب القضاء لغير معتنقي مذهب الاعتزال و القائلين بخلق القرآن.

هذه الأطروحة الفكرية العقائدية التي كان يراد منها تصفية بعض المناوئين للسلطة العباسية، أضحت سياسة رسمية للدولة أيام حكم المأمون و المعتصم و الواثق، يعاقب من لم يقل بها و يتخذها مبدأ له. و فعلا فقد شكل هذا المقطع الزمني (محنة) بالنسبة لغير (فقهاء السلطان). فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة تحول الفكر و المعتقد الي مؤسسة من مؤسسات السلطة التي أخذت تلوح بعصا الايديولوجية؛ لسحق المعارضة السياسية، و ضرب المعارضة الفكرية في آن واحد.

و التأريخ لم يحدثنا عن موقف للامام الجواد عليه السلام من هذه القضية التي كانت مثار جدل و نقاش سنين عديدة.