بازگشت

المقدمة


الحمدلله رب العالمين، و الصلاة و السلام علي رسوله الأمين و آل بيته الطيبين الطاهرين المنتجبين، و صحبه الهداة المهديين.

فقد درجت الامم و الشعوب منذ عهدها بالتدوين علي تخليد قادتها و رجالاتها، عرفانا منها لما أسدوه لها من خدمات جليلة، و بما زانوا مجدها و تأريخها بكل طارف و تليد. و نحن كأمة اسلامية لنا أعظم دين، و أغني تراث، و أرقي حضارة، ما كنا بدعا من الامم و الحضارات في تخليد عظمائنا و رجالاتنا الذين شادوا مجد هذه الأمة، و بنوا صرحها الشامخ. بل، نحن أحق من غيرنا بذلك للعديد من الاعتبارات.

و رب تساؤل يقفز الي ساحة الذهن، بأنهم كثر أولئك الذين كان لهم دور في عملية صياغة التاريخ، و صناعة المجد، و بناء الحضارة.. فمن من اولئك حقيق بالتخليد و الذكر الجميل؟ ثم، كيف نحيي تراثهم، و نعيد تأريخهم؟ و لماذا..؟

و طبيعي أن يأتي الجواب بأن أي دراسة يجب أن تتناول النخبة الصالحة الرشيدة التي بذلت كل ما في وسعها من أجل أن تحيا هذه الأمة علي مبادي ء رسالتها الخالدة، و أن تشتمل تلك الدراسة علي تاريخ حياة أولئك الأعلام المضحين، و مناهجهم في عملية البناء و التغيير، و جهادهم و جهودهم المضنية في هذا المجال، كما ينبغي تناول سيرتهم العملية و أقوالهم بالدرس و التحليل.

و أما الغرض من تدارس أحوال و مواقف أولئك العظام؛ فهو لاستلهام



[ صفحه 8]



مناهجهم في الحياة، و في البناء الحضاري، و للاستنارة من فيض علومهم و معارفهم الخلاقة، و اسهاماتهم في تبيين معالم الدين، و توضيح أصول الشريعة... أضف الي ذلك مكافحتهم للجهل، و مقارعة الظلم و الظالمين، و نشر العدل، و احقاق الحق... بل، و اتخاذهم منارات يسترشد بهديهم لجميع الأجيال البشرية علي رغم تعاقبها مر الدهور.

و لا ريب بأن الأحق بهذا التدارس و التعظيم، هو شخص النبوة الكريم، أشرف موجود، و سيد الكائنات و أقدسها، و هل أحد أحق من بعده غير أهل بيته المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس، و اختارهم قادة رساليين يقتدي بهم؟ حتي صار و دورهم ملموسا و متميزا في بناء الانسان و صيانته و حفظ المجتمع و كيانه. و من هنا أصبح تسليط الضوء علي حياتهم المشرقة بالعطاء - بعد اختلاط الأوراق - وفاء لرسالة الاسلام الخالدة باعتبارهم عليهم السلام قادتها الأمناء الحقيقيين.

فالأئمة المعصومون الاثنا عشر من أهل البيت عليهم السلام الذين نص عليهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في عدة أحاديث صحاح، هم محور الحياة الذي تدور عليه كل مكرمة و فضيلة، فقد جعلهم الله حياة للأنام، و مصابيح الظلام، و مفاتيح الكلام، و دعائم للاسلام... و وصفهم أمير البيان عليه السلام بقوله: «هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، و صمتهم عن منطقهم، و ظاهرهم عن باطنهم. لا يخالفون الدين و لا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق».

فدراسة حياة الأئمة الميامين عليهم السلام يجب أن تنطلق من تلك الحقائق المهمة، و ينبغي التركيز علي المنهج الأصيل و الدور الحقيقي و الواقعي لهم عليهم السلام باعتبارهم وحدة متكاملة لا فرق بين القائم منهم بالسيف أو المتصدي بالدعاء أو الناشر للعلم أو غيرها من مناهج العمل و التغيير للوصول الي الهدف المشترك للجميع. فهم عليهم السلام رغم تنوع أدوارهم، وفق



[ صفحه 9]



طبيعة المرحلة و الظروف السياسية المحيطة بهم، يحملون هدفا مشتركا واحدا لا يختلفون فيه، ذلك هو حفظ الكتاب الكريم و سنة الرسول المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، و طلب الاصلاح و الهداية، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و نحن علي أعتاب مرور اثني عشر قرنا (1200 عام) علي شهادة الامام الجواد عليه السلام، فالأمل يحدونا أن تستطيع هذه الدراسة الموجزة من سيرة تاسع أئمة أهل البيت عليهم السلام القاء بعض الضوء علي الدور الفاعل و الكبير لتحرك الامام أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام في الأمة، من خلال جس مواقع حركته التغييرية و الاصلاحية في الزمن القصير الذي عاشه.

و يمكن تلمس تحرك الامام عليه السلام، و استشفاف الحقائق الناصعة في أدوار حياته عبر الفصول الأربعة التي اشتملتها هذه الدراسة.

فمرورا بالتعريف بظروف مولد الامام عليه السلام، الي التعريف بشخصه المبارك و بعض سماته، ثم النصوص الدالة علي امامته، و أخيرا كان لنا بحث مقتضب حول مسألة العمر و منصب الامامة، كل ذلك تضمنه الفصل الأول.

أما الفصل الثاني: فقد عرض للمرحلة التالية من حياة الامام الجواد عليه السلام خاصة بعد شهادة أبيه، و ما رافق ذلك من ارهاصات انعكست مباشرة علي حياة الامام. فكان لابد من استبيان الظروف و الأحداث السياسية خلال هذه الفترة الزمنية من عمر الامام، خاصة ما كان من مقولة خلق القرآن، ثم علاقة الامام عليه السلام بالجهاز الحاكم الذي كان يتربص به الدوائر للقضاء عليه. كما استعرضنا أحداث عقد قرانه عليه السلام علي ابنة المأمون العباسي ثم زواجه منها، و ما رافق ذينك الحدثين من حوادث كان لها انعكاسات مباشرة علي حياته عليه السلام. و في خاتمة الفصل كانت لنا اطلالة علي بعض الثورات



[ صفحه 10]



و الانتفاضات التي كانت تصب في خط أهل البيت عليهم السلام و تدعو لهم.

و أما الفصل الثالث: فقد حاولنا أن نستجمع فيه عطاءه الفكري و دوره الرسالي، و نشاطه في استقطاب الأصحاب و الوكلاء و توجيه الأمة نحو المسار الاسلامي الصحيح، و ممارسة دوره العلمي في ارساء قواعد التشريع الاسلامي، و مناظراته و احتجاجاته في الدين و العقيدة. و لم يفتنا اقتباس شذرات من أنوار كلمة الندية، كي نروي بها صحراء نفوسنا المجدبة.

و أخيرا كان لنا فصل رابع بحثنا فيه عن كيفية استدعاء المعتصم العباسي للامام من المدينة الي بغداد، و الأسباب و الدواعي التي دفعت مثلث الاغتيال الي التآمر علي الامام و تنفيذ عملهم الدني ء بقتله بالسم و هو في غضارة شبابه، ثم عرجنا علي من أشاد بشخصية الامام الجواد عليه السلام و أقر بفضله و تقدمه فانتقينا منهم ما يسمح لنا به سعة الكتاب.

و قبل الوداع كان مسك الختام جولة في رحاب شعر المديح و الرثاء لجواد الأئمة عليه السلام.

اللهم فاجعلنا به مهتدين، و بنوره مستوضحين طريق الحق، و ببركته مستمطرين خير السماء و بركاتها، فانه حجتك العليا، و مثلك الأعلي، و كلمتك الحسني... الداعي اليك، و الدال عليك، الذي نصبته علما لعبادك، و مترجما لكتابك، و صادعا بأمرك، و ناصرا لدينك، و حجتك علي خلقك، و نورا تخرق به الظلم، و قدوة تدرك بها الهداية، و شفيعا تنال به الجنة..

و الحمد لله رب العالمين



[ صفحه 11]