بازگشت

الموقف السياسي بعد شهادة الامام الرضا


كانت الفترة بين (رمضان 201 - صفر 203 ه) [1] التي تقلد فيها الامام الرضا عليه السلام ولاية العهد سني هدوء نسبي الا ما كان من اضطراب الأمور في بغداد حنقا علي المأمون؛ لمقتل محمد الأمين أولا؛ و لتوليته العهد من بعده للرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، ظنا منهم أن الخلافة ستخرج من بني العباس الي آل أبي طالب، لكن تبين بعد ذلك أن المأمون كان يفكر غير ما كانوا يستعجلون تفكيره.

و أما السنوات القلائل التي أعقبت استشهاد الامام الرضا عليه السلام فكانت هي الاخري مشحونة بالحذر و الترقب من قبل الشيعة عموما و البيت الهاشمي خصوصا؛ للسياسة التي اتخذها المأمون في تقريب الامام الجواد عليه السلام و انزاله تلك المنزلة منه، و هذا الترقب و الحذر راجع الي عدة أمور لعل من أهمها ما نوجزه بالنقاط التالية:

1 - شغف المأمون بأبي جعفر عليه السلام بعد أن استدعاه من المدينة المنورة الي بغداد؛ لما رأي من غزارة علمه و هو لم يبلغ الحلم بعد، و لم يحضر عند أحد للتلمذ و الدراسة، ثم ان صغر السن و امتلاك علوم جمة و الجلوس للمناظرة و الحجاج مع كبار الفقهاء هي ظاهرة فريدة و غريبة في دنيا الاسلام



[ صفحه 40]



يومذاك، تجلب الانتباه و تأخذ بالعقول و تستهويها؛ لهذا فقد أبقاه عنده فترة طويلة.

2 - المأمون، و لأجل رفع أصابع الاتهام عنه باغتيال الامام الرضا عليه السلام، أراد أن يثبت ظاهريا للعوام و الخواص حبه للنبي صلي الله عليه و آله و سلم، من خلال بقائه علي ولاء و حب البيت العلوي؛ لذلك أظهر اهتماما زائدا، و تكريما متميزا للامام الجواد عليه السلام، بل و أقر له ما كان يعطي أباه الرضا عليه السلام من عطاء و زيادة، فبلغ عطاؤه ألف ألف درهم سنويا [2] .

3 - تزويجه اياه من ابنته (زينب) المكناة بأم الفضل، و اسكانه قصور السلطنة.

4 - توليته بعد وروده بغداد عام (204 ه) عبيدالله بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام مكة و المدينة. و بقي علي ولايتهما حتي أواخر عام (206 ه).

5 - أمره ولاة الأقاليم و الخطباء باظهار فضائل الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام علي المنابر في جميع المناسبات.

6 - تبنيه مذهب الاعتزال و اظهار القول بخلق القرآن في ربيع الأول سنة (212 ه)، و كان الدافع من وراء ذلك - علي ما يظهر لنا - سياسيا، لأجل تصفية بعض الخصوم و ابعاد البعض الآخر، و اجبار بعض الفقهاء، خارج المدار السلطاني، الدخول في فلك البلاط؛ لتمرير بعض المآرب السياسية في مرحلة لاحقة. ثم لعله أراد من اظهار هذا الحق باطلا كان يختبي ء في



[ صفحه 41]



مطاوي نفسه التي لم تعرف نواياها الحقيقية، فماتت معه بموته.

كما أراد صرف الناس عن التوجه الي أهل البيت عليهم السلام و التمسك بمنهجهم القويم.

بهذا الدهاء السياسي استطاع المأمون العباسي سحب البساط من تحت أرجل شيعة أهل البيت عليهم السلام عموما، و الطالبيين بشكل أخص، و فوت عليهم فرصة أي ثورة أو انتفاضة ضد حكومته. و بذلك تمكن من أن يأمن هذا الجانب - و ان كان علي حذر و وجل الي فترة غير قليلة - استطاع خلالها ترتيب البيت العباسي، و استحكام أمر الخلافة. و لم يكن المأمون مستعجلا هذه المرة مع الامام الجواد عليه السلام الصبي الصغير ثم الشاب اليافع، بشأن تصفية وجوده، لما يشكله عليه السلام من خطر علي مستقبل الخلافة و الوجود العباسي ككل.

و لقد انعكس ذلك الهدوء السياسي النسبي الذي أعقب تولي الامام الرضا عليه السلام عهد المأمون له بالخلافة من بعده، علي امتداد فترة امامة أبي جعفر الثاني عليه السلام، الا ما كان من ثورة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام في اليمن سنة (207 ه).

كان هذا مجمل الوضع السياسي بعيد استشهاد الامام الرضا عليه السلام، و تسنم الامام الجواد عليه السلام منصب الامامة، و اظهاره لها و هو حدث صغير، الأمر الذي جعل الأنظار تتجه نحوه، و تصطك عنده ركب العلماء، و تثني أمامه هيبة و اذعانا لعلمه.

ثم ما كان من أحداث (قم) سنة (210 ه). و في سنة (214 ه) كانت حركة جعفر بن داود القمي في مصر. و سنأتي علي تفصيل هذه الثورات



[ صفحه 42]



و الحركات في خاتمة هذا الفصل ان شاء الله.

و في مطلع سنة (215 ه) كان خروج المأمون لغزو الروم، مارا بتكريت سالكا طريق الموصل - نصيبين علي ما يبدو. و قد طال أمد حروبه نسبيا مع الروم فاستمرت حتي وفاته في عام (218 ه) [3] تخللتها فترات هدنة عاد فيها الي الشام.

و لعل آخر حدث في حياة الامام الجواد عليه السلام كان خروج محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام في الطالقان من بلاد خراسان عام (219 ه) يدعو للرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم.


پاورقي

[1] هناك نص نقله النجاشي في رجاله: 277 رقم 727. و شيخ الطائفة الطوسي في أماليه: 359 / 749 يشير الي أن الامام الرضا عليه السلام كان في خراسان سنة (198 ه)، حيث يروي أبوالحسن علي أخو دعبل الخزاعي أنه و دعبل رحلا الي الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام و التقياه في تلك السنة، و حدثهما املاء في رجب من ذلك العام، و أقاما عنده الي آخر سنة (200 ه). ثم خرجا من عنده متوجهين صوب قم حيث أشار الامام عليه السلام اليهما أن يصيرا اليها و هما في طريق عودتهما الي واسط، بعد أن خلع عليهما و زودهما و أعطاهما من الدراهم الرضوية ما يعينهما.

[2] مرآة الجنان / اليافعي 2: 80.

[3] تاريخ الطبري 7: 190 - 189.