بازگشت

العمر و منصب الامامة


ليس غريبا اذا قلنا: انه لا مدخلية للعمر في تسنم منصب الامامة، و لو أن ظاهرة الامام الجواد عليه السلام كانت الاولي من نوعها في الاسلام علي ما هو معهود و معروف! الا أنها لم تكن الاولي في العالم علي مستوي حركة الأنبياء و الرسل و أوصيائهم السابقين، فذاك عيسي بن مريم آتاه الله الحكمة و النبوة و كان في المهد صبيا، و قبله كان يحيي، فقد آتاه الله الحكم و الكتاب و هو صبي (و آتيناه الحكم صبيا) [1] .

(فان الظاهرة التي وجدت مع هذا الامام و هي ظاهرة تولي شخص للامامة و هو بعد في سن الطفولة، علي أساس أن التاريخ يتفق و يجمع علي أن الامام الجواد توفي أبوه و عمره لا يزيد عن سبع سنين. و معني هذا أنه تولي زعامة الطائفة الشيعية روحيا و فكريا و علميا و دينيا و هو لا يزيد عن سبع سنين، هذه الظاهرة التي ظهرت لأول مرة في حياة الأئمة في الامام الجواد عليه السلام) [2] .

و قد قدمنا في الفصل الأول الروايات التي تنص علي أن الامام الرضا عليه السلام و هو الامام المعصوم قد شهد بأن مولوده الصغير - و كان يشير اليه - سيكون الامام من بعده بالرغم من صغر سنه [3] ، و بذلك فقد حل الامام الرضا عليه السلام اشكالية المسألة في حياته و أرجع أصحابه و شيعته و جميع



[ صفحه 33]



المسلمين الي ابنه الجواد عليه السلام.

ثم ان الامام الجواد عليه السلام نفسه قد أدرك الشك و الحيرة من بعض أصحاب أبيه في هذا الأمر؛ لأنهم لم يألفوا ذلك من قبل فأراد في بعض المواقف تبيان هذه الظاهرة، و الفات نظر المترددين الي الحقيقة التي غابت عن أذهانهم، فقد روي الكليني بالاسناد عن علي بن اسباط، قال: خرج عليه السلام علي فنظرت الي رأسه و رجليه؛ لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتي قعد، فقال: «يا علي، ان الله احتج في الامام بمثل ما احتج في النبوة، فقال: (و آتيناه الحكم صبيا) [4] ، قال: (و لما بلغ أشده) [5] ، (و بلغ أربعين سنة) [6] فقد يجوز أن يؤتي الحكمة صبيا [7] ، و يجوز أن يعطاها و هو ابن أربعين سنة» [8] .

و عندما يسأل عن هذا الموضوع و هو ابن سبع سنين أو نحوها، يجيب سائله اجابة قاطعة ليس فيها ترديد و لا تورية... جواب واثق مطمئن من امامته علي الناس، و هو ما رواه الكليني بالاسناد عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، قال: سألته - يعني أباجعفر عليه السلام - عن شي ء من أمر الامام، فقلت: يكون الامام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال: «نعم، و أقل من خمس سنين».

فقال سهل: فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة احدي و عشرين



[ صفحه 34]



و مائتين [9] .

كما أنه عليه السلام يرد علي المنكرين عليه صغر سنه بشواهد قرآنية لها مصاديق من سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم، و هو ما نقرأه في رواية الكليني الاخري عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، قال: قال علي بن حسان لأبي جعفر عليه السلام: يا سيدي، ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال: (و ما ينكرون من ذلك، قول الله عزوجل؟ لقد قال الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: (قل هذه سبيلي أدعو الي الله علي بصيرة أنا و من اتبعني) [10] فوالله ما تبعه الا علي عليه السلام و له تسع سنين و أنا ابن تسع سنين» [11] .

من خلال التأمل في الروايات التي مر ذكرها يتبين لنا تركيز الأئمة عليهم السلام علي دور الامامة في حياة الامة، و مقارنتها بالنبوة. و طبيعي أن تقرن الامامة بالنبوة لما بينهما من سنخية واحدة، فالامام عليه السلام انما يلفت نظر النسا الي أن العمر لا مدخلية له في منصبي النبوة و الامامة؛ لأنهما منصبان يتعينان من قبل الله سبحانه و تعالي، و الله تعالي لا يختار لرسالاته الا المعصوم المتحصل لجميع الكمالات، و عليه فهو تبارك و تعالي لا يتعامل مع سن المبعوث بقدر ما يتعامل مع ظروف المرحلة التي تمر بها الرسالة و الأمة، و مدي الحاجة الي الشخص المختار لتدارك حالة المجتمع في مقطع زمني معين تكون الحاجة اليه هناك ماسة و ضرورية.

نعم، فالامام يريد أن يقول للناس: عليكم أن تنظروا للامام.. أن تتعاملوا



[ صفحه 35]



مع منصب الامامة، كما تنظرون الي مقام النبوة و تتعاملوا معها. فالامامة امتداد طبيعي للنبوة، لذلك تكتسب نفس قداستها؛ لأنهما كما قلنا - من مختصات السماء، و ما ترسله السماء يجب أن يكون له قدسية خاصة، و أنها - أي الامامة - «.. أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلي مكانا، و أمنع جانبا، و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالونها بآرائهم، أو يقيموا اماما باختيارهم...» [12] .

و لما كان هذا حال الامامة و الامام، يجريان مجري النبوة و الأنبياء، فانه يجوز علي الامام أن يتولي الامامة و هو ابن سنتين - مثلا - أو أقل من ذلك أو أكثر، كما جاز ذلك في النبوة و هو ما عرفناه من قبل في مثال يحيي بن زكريا، و عيسي بن مريم عليهماالسلام.

و الشهيد آية الله العظمي السيد محمد باقر الصدر قدس سره في محاضرته التي أشرنا اليها قبل قليل يلفت النظر الي أنه لو تم دراسة ظاهرة امامة الجواد عليه السلام بقانون حساب الاحتمالات لتبين: (أنها وحدها كافية للاقتناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثله الامام الجواد عليه السلام). و هو طريق عقلي آخر يضاف الي طرق اثبات الامامة و حصرها بأهل البيت عليهم السلام، ثم يفترض السيد الشهيد قدس سره عدة افتراضات يمكن أن تثار حول امامة الامام الجواد عليه السلام و يجيب عنها منطقيا و تاريخيا، لكنه قدس سره يجيب قبل طرح الافتراضات فيقول: (اذ كيف يمكن أن نفترض فرضا آخر غير فرض الامامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين و يتولي زعامة هذه الطائفة في كل المجالات الروحية و الفكرية و الفقهية و الدينية).



[ صفحه 37]




پاورقي

[1] سورة مريم: 19 / 12.

[2] من محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره في 29 ذي القعدة الحرام سنة 1388 ه لم تنشر توجد ضمن مستندات و وثائق موسوعة الشهيد الصدر.

[3] راجع: النصوص المتقدمة آنفا عن أصول الكافي 1: 321 / 10 و 322 / 13 و 383 / 2. و اثبات الوصية: 185.

[4] سورة مريم: 19 / 12.

[5] سورة يوسف: 12 / 22. و سورة القصص: 28 / 14.

[6] سورة الأحقاف: 46 / 15.

[7] في الرواية الأخري: الحكمة و هو صبي.

[8] اصول الكافي 1: 494 / 3، و مثله أيضا 1: 384 / 7 باب حالات الأئمة في السن.

[9] اصول الكافي 1: 384 / 5.

[10] سورة يوسف: 12 / 108.

[11] اصول الكافي 1: 384 / 8.

[12] اصول الكافي 1: 199 / 1.