بازگشت

الوزارة


من الأجهزة الحساسة في الدولة العباسية هي الوزارة، فكانت - علي الأكثر - وزارة تفويض، فكان الخليفة يعهد الي الوزير بالتصرف في جميع شؤون دولته و يتفرغ هو للهو و العبث و المجون، فقد استوزر المهدي العباسي يعقوب بن داود، و فوض اليه جميع شؤون رعيته و انصرف الي ملذاته، و فيه يقول الشاعر:



بني امية هبوا طال نومكم

ان الخليفة يعقوب بن داود



ضاعت خلافتكم يا قوم

فالتمسوا خليفة الله بين النادي و العود



و استوزر الرشيد يحيي بن خالد البرمكي و منحه جميع الصلاحيات و اتجه نحو ملاذه و شهواته فكانت لياليه الحمراء في بغداد شاهدة علي ذلك.

و تصرف يحيي في شؤون الدولة الواسعة الأطراف حسب رغباته، فقد أنفق الأموال الطائلة علي الشعراء المادحين له، و اتخذ من العمارات و الضياع التي كانت وارداتها تدر عليه بالملايين، و هي التي سببت قيام هارون الرشيد باعتقاله، و قتل ابنه جعفر و مصادرة جميع أموالهم.

و في عهد المأمون أطلق يد وزيره الفضل بن سهل في امور الدولة فتصرف فيها حيثما شاء، و كان الوزير يكتسب الثراء الفاحش بما يقترفه من النهب و الرشوات،



[ صفحه 192]



و قد عانت الامة من ضروب المحن و البلاء في عهدهم بما لا يوصف فكانوا الأداة الضاربة للشعب، فقد استخدمتهم الملوك لنهب ثروات الناس و اذلالهم و ارغامهم علي ما يكرهون.

و كان الوزراء معرضين للسخط و الانتقام و ذلك لما يقترفونه من الظلم و الجور، و قد نصح دعبل الخزاعي الفضل بن مروان أحد وزراء العباسيين فأوصاه باسداء المعروف و الاحسان الي الناس، و قد ضرب له مثلا بثلاثة وزراء ممن شاركوه في الاسم و سبقوه الي كرسي الحكم، و هو الفضل بن يحيي، و الفضل بن الربيع، و الفضل بن سهل، فانهم لما جاروا في الحكم تعرضوا الي النقمة و السخط، يقول دعبل:



ألا ان في الفضل بن سهل لعبرة

ان اعتبر الفضل بن مروان بالفضل



و في ابن الربيع الفضل للفضل زاجر

ان ازدجر الفضل بن مروان بالفضل



و للفضل في الفضل بن يحيي مواعظ

ان اتعظ الفضل بن مروان بالفضل



اذا ذكروا يوما و قد صرت رابعا

ذكرت بقدر السعي منك الي الفضل



فابق جميلا من حديث تفز به

و لا تدع الاحسان و الأخذ بالفضل



و لم أر أبياتا من الشعر قبلها

جميع قوافيها علي الفضل و الفضل



و ليس لها عيب اذا هي أنشدت

سوي ان نصحي الفضل كان من الفضل



و من غرائب ما اقترفه الوزراء من الخيانة ان الخاقاني وزير المقتدر بالله العباسي ولي في يوم واحد تسعة عشر ناظرا للكوفة و أخذ من كل واحد رشوة [1] و كثير من أمثال هذه الفضائح و المنكرات عند بعض وزراء العباسيين.



[ صفحه 193]




پاورقي

[1] تاريخ التمدن الاسلامي 4: 182.