بازگشت

و اما اولاده و...


و قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالي: باب ذكر الامام بعد أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليهماالسلام و تاريخ مولده و دلايل امامته و طرف من أخباره و مدة امامته و مبلغ سنه و ذكر وفاته و سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره:

و كان الامام بعد الرضا علي بن موسي عليهماالسلام ابنه محمد بن علي المرتضي بالنص عليه و الاشارة اليه و تكامل الفضل فيه، و كان مولده عليه السلام في شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مأة، و قبض ببغداد في ذي القعدة سنة عشرين و مأتين و له يومئذ خمس و عشرون سنة، و كانت مدة خلافته لأبيه و امامته من بعده سبع عشرة سنة، و أمه أم ولد يقال لها سبيكة النوبية.

باب ذكر طرف من النص علي أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام بالامامة و الاشارة اليه بها من أبيه اليه عليهماالسلام، فممن روي النص عن أبي الحسن الرضا علي ابنه أبي جعفر عليهماالسلام بالامامة علي بن جعفر بن محمد بن الصادق، و صفوان بن يحيي، و معمر بن خلاد، و الحسين بن بشار، و ابن أبي نصر البزنطي، و الحسن بن الجهم، و أبويحيي الصنعاني، و الخيراني، و يحيي بن حبيب الزيات في جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب.

قال: كان علي بن جعفر بن محمد يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال في حديثه: لقد نصر الله أباالحسن الرضا لما بغي عليه اخوته و عمومته و ذكر حديثا طويلا حتي انتهي الي قوله: فقمت و قبضت علي يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا، و قلت له: أشهد أنك امام عندالله، فبكي الرضا عليه السلام و قال: يا عم ألم تسمع أبي و هو يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: بأبي ابن خيرة الاماء النوبية الطيبة، يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة فيقال: مات أو هلك و أي واد سلك؟ فقلت: صدقت جعلت فداك.

و عن صفوان بن يحيي قال: قلت للرضا عليه السلام: قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أباجعفر فكنت تقول: يهب الله لي غلاما، و قد وهبك الله و أقر عيوننا فلا أرانا الله يومك، فان كان كون فالي من؟ فأشار بيده الي ابي جعفر و هو قائم بين يديه، فقلت له: جعلت فداك و هذا ابن ثلاث سنين؟ قال: و ما يضره من ذلك و قد قام عيسي بالحجة و هو ابن أقل من ثلاث سنين؟!

و عن معمر بن خلاد قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: - و قد ذكر شيئا - فقال: و ما



[ صفحه 865]



حاجتكم الي ذلك هذا أبوجعفر قد أجلسته مجلسي و صيرته مكاني، و قال: انا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة [1] .

و كتب ابن قياما الواسطي [2] الي أبي الحسن الرضا عليه السلام كتابا يقول فيه: كيف تكون اماما و ليس لك ولد؟ فأجابه أبوالحسن عليه السلام: و ما علمك أن لا يكون لي ولد؟ و الله لا تنقضي الأيام و الليالي حتي يرزقني الله ولدا يفرق بين الحق و الباطل.

و عن (ابن ظ) أبي نصر البزنطي قال: قال لي بن ابن النجاشي: [3] من الامام بعد صاحبك؟ فأحب أن تسأله حتي أعلم، فدخلت علي الرضا عليه السلام فأخبرته فقال: الامام بعدي ابني، ثم قال: هل يجتري ء أحد أن يقول: ابني و ليس له ولد و لم يكن ولد أبوجعفر عليه السلام فلم تمض الأيام حتي ولد.

و عن ابن قياما الواسطي - و كان واقفيا - قال: دخلت علي علي بن موسي فقلت له: أيكون امامان في (عصر ظ)؟ قال: لا الا أن يكون أحدهما صامتا، فقلت له: هو ذا أنت ليس لك صامت؟ فقال لي: و الله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق و أهله و يمحق به الباطل و أهله، و لم يكن في الوقت له ولد، فولد له أبوجعفر عليه السلام بعد سنة.

و عن الحسن بن الجهم قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام جالسا فدعا بابنه و هو صغير فأجلسه في حجري و قال لي: جرده و انزع قميصه، فنزعته، فقال لي: أنظر بين كتفيه، قال: فنظرت فاذا في احدي كتفيه شبه الخاتم داخل في اللحم، ثم قال لي: أتري هذا مثله في هذا الموضع كان في أبي عليه السلام.

و عن أبي يحيي الصنعاني قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام فجي ء بابنه أبي جعفر و هو صغير فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم علي شيعتنا بركة منه.

عن الخيراني عن أبيه قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان، فقال قائل: يا سيدي ان كان كون فالي من؟ قال: الي أبي جعفر ابني، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر، فقال أبوالحسن عليه السلام: ان الله بعث عيسي بن مريم رسولا



[ صفحه 866]



نبيا صاحب شريعة، مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبوجعفر عليه السلام.

و عن يحيي بن حبيب الزيات قال: أخبرني من كان عند أبي الحسن عليه السلام جالسا، فلما نهض القوم قال لهم الرضا عليه السلام: القوا أباجعفر فسلموا عليه، و جددوا به عهدا، فلما نهض القوم التفت الي و قال: رحم الله المفضل [4] انه كان ليقنع بدون هذا.

و قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالي: باب ذكر طرف من الأخبار عن مناقب أبي جعفر عليه السلام و دلايله و معجزاته، و كان المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السلام لما رأي من فضله مع صغر سنه، و بلوغه في الحكمة و العلم و الأدب و كمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوجه ابنته أم الفضل، و حملها معه الي المدينة، و كان موفرا علي اكرامه و تعظيمه و اجلال قدره.

عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أباجعفر محمد بن علي عليهماالسلام، بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ذلك و استنكروه، و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما انتهي مع الرضا عليه السلام، فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا له: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن نقيم علي هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فانا نخاف أن تخرج به عنا أمرا قد ملكناه الله، و تنزع عنا عزا قد ألبسناه الله، و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيديهم و التصغير بهم، و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتي كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله أن تردنا الي غم قد انحسر عنا و اصرف رأيك عن ابن الرضا و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، و لو أنصفتم القوم لكانوا أولي بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم، أعوذ بالله من ذلك، و والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا و لقد سألته أن يقوم



[ صفحه 867]



بالأمر و أنزعه من نفسي فأبي [5] و كان أمر الله قدرا مقدورا.

و أما أبوجعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل، مع صغر سنه و الاعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه، فقالوا: ان هذا الصبي و ان راقك منه هديه [6] فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدب و يتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم اني أعرف بهذا الفتي منكم، و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله و مواده و الهامه، و لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يبين لكم ما وصفت من حاله، قالوا له، قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان اصابك في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب من ذلك - في معناه - فقال لهم المأمون: شأنكم و ذلك متي أردتم.

فخرجوا من عنده و أجمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم و هو يومئذ قاضي الزمان، علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب عنها، و وعدوه بأموال نفيسة علي ذلك، و عادوا الي المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم الي ذلك و اجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، و حضر معهم يحيي بن أكثم، و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست [7] و يجعل له فيه مسورتان [8] ، ففعل ذلك، و خرج أبوجعفر عليه السلام يومئذ و هو ابن تسع سنين و أشهر، فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، و قام الناس في مراتبهم، و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام، فقال يحيي بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أميرالمؤمنين أن أسأل أباجعفر؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيي بن أكثم، فقال: تأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال له أبوجعفر عليه السلام: سل ان شئت.



[ صفحه 868]



قال يحيي: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟

فقال له أبوجعفر عليه السلام؟ قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ مبتديا كان بالقتل أو معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أو من غيرها؟ من صغار الصيد كان أو من كباره؟ مصرا علي ما فعل أو نادما؟ ليلا كان قتله الصيد أو نهارا؟ محرما كان بالعمرة اذ قتله أو بالحج كان محرما؟

فتحير يحيي بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و لجلج حتي عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال المأمون: الحمدلله علي هذه النعمة و التوفيق لي في هذا الرأي. ثم نظر الي أهل بيته و قال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم أقبل علي أبي جعفر فقال له: أخطب يا أباجعفر؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين، فقال له المأمون: أخطب جعلت فداك لنفسك، فقد رضيتك لنفسي و أنا مزوجك أم الفضل ابنتي، و ان رغم قوم لذلك.

فقال أبوجعفر عليه السلام: الحمدلله اقرار بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته، و صلي الله علي محمد سيد بريته، و الأصفياء من عترته، أما بعد؛ فقد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: (و أنكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم) ثم ان محمد بن علي بن موسي يخطب أم الفضل بنت عبدالله المأمون و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليهماالسلام و هو خمس ماءة درهم جيادا فهل زوجتنيها يا أميرالمؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور فقال المأمون: نعم قد زوجتك أباجعفر أم الفضل ابنتي علي الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ قال أبوجعفر: قد قبلت و رضيت به.

فأمر المأمون أن يقعد الناس علي مراتبهم في الخاصة و العامة، قال الريان: و أخرج الخدم مثل السفينة من فضة و فيها الغالية فتطيب الخاصة و العامة و وضعت الموايد فأكلوا و فرقت الجوايز علي قدر المراتب، و انصرف الناس و بقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر: ان رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه و نستفيده.

فقال ابوجعفر عليه السلام: نعم، ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من



[ صفحه 869]



ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و اذا قتل فرخا فعليه حمل قد فطم من اللبن، فاذا قتله في الحرم فعليه الحمل قيمة الفرخ، و ان كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و ان كان نعامة كان عليه بدنة، و ان كان ظبيا فعليه شاة، فان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان احرامه للحج نحره بمني، و ان كان احرامه للعمرة نحره بمكة، و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد له المأثم و هو موضوع عنه في الخطأ، و الكفارة علي الحر في نفسه و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة، و النادم يسقط عنه ندمه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه العقاب في الآخرة.

فقال له المأمون: أحسنت أباجعفر أجسن الله اليك، فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك؟ فقال أبوجعفر عليه السلام ليحيي: أسألك؟ قال: ذلك اليك جعلت فداك، فان عرفت جواب ما تسألني عنه و الا استفدته منك.

فقال له أبوجعفر: خبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت عشاء الآخرة حلت عليه، فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة و بماذا حلت و حرمت عليه؟

فقال له يحيي بن أكثم: لا و الله لا أهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدناه.

فقال له أبوجعفر عليه السلام: هذه أمة لرجل من الناس نظر اليها أجنبي في أول النهار، فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت عشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.

قال: فأقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب؟ و يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟



[ صفحه 870]



قالوا: لا والله ان أميرالمؤمنين أعلم بما رأي، فقال لهم: ويحكم ان أهل هذا البيت خصوا من بين الخلق بما ترون من الفضل، و ان صغر السن لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين و هما أبناء دون الست سنين، و لم يبايع صبيا غيرهما؟ أفلا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم و أنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟ قالوا: صدقت و الله يا أميرالمؤمنين، ثم نهض القوم.

فلما كان من الغد أحضر الناس و حضر أبوجعفر عليه السلام و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العمال لتهنية المأمون و أبي جعفر، فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة و فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق، و رقاع مكتوبة بأموال جزيلة و عطايا سنية و اقطاعات، فأمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه فأطلق له، و وضعت البدر فنثر ما فيها علي القواد و غيرهم، و انصرف الناس و هم أغنياء بالجوايز و العطايا، و تقدم المأمون بالصدقة علي كافة المسلمين و لم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السلام معظما لقدره مدة حياته يؤثره علي ولده و جماعة أهل بيته.

و قد روي الناس أن أم الفضل كتبت الي أبيها من المدينة تشكو أباجعفر و تقول: انه يتسري علي و يغيرني [9] ، فكتب اليها المأمون: يا بنية انا لم نزوجك أباجعفر لنحرم عليه حلالا، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها.

و لما توجه أبوجعفر عليه السلام من بغداد منصرفا من عند المأمون و معه أم الفضل قاصدا بها المدينة، صار الي شارع باب الكوفة و معه الناس يشيعونه، فانتهي الي دار المسيب عند مغيب الشمس، فنزل و دخل المسجد و كان في صحنه نبقة [10] لم تحمل بعد، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة، و قام فصلي بالناس صلاة المغرب فقرأ في الاولي الحمد و اذا جاء نصر الله و الفتح، و قرأ في الثانية الحمد و قل هو الله أحد، و قنت قبل ركوعه فيها و صلي الثلاثة و تشهد و سلم، ثم جلس هنيئة يذكر الله تعالي



[ صفحه 871]



و قام من غير أن يعقب فصلي النوافل أربع ركعات، و عقب بعدها و سجد سجدتي الشكر، فلما انتهي الي النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حسنا، فتعجبوا من ذلك و أكلوا منها فوجدوه نبقا حلواء لا عجم له، و ودعوه و مضي عليه السلام من وقته الي المدينة، فلم يزل بها الي أن أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين و مأتين الي بغداد، فاقام بها حتي توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة و دفن في ظهر جده أبي الحسن موسي عليهماالسلام.

و عن علي بن خالد قال: كنت بالعسكر [11] فبلغني أن هناك رجلا محبوسا أتي به من الشام مكبولا [12] و قالوا انه تنبأ [13] ، قال: فأتيت الباب و دفعت شيئا للبوابين حتي وصلت اليه، فاذا رحل له فهم و عقل، فقلت له: يا هذا ما قضيتك؟ قال: اني كنت رجلا بالشام أعبدالله في الموضع الذي يقال أنه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام، فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل علي المحراب أذكر الله تعالي اذ رأيت شخصا بين يدي فنظرت اليه فقال لي: قم، فقمت معه، فمشي بي قليلا فاذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: تعرف هذا المسجد؟ فقلت: نعم، هذا مسجد الكوفة: قال: فصلي و صليت معه، ثم انصرف و انصرفت معه و مشي قليلا فاذا نحن بمسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فسلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و صلي و صليت معه، ثم خرج و خرجت معه فمشي قليلا و اذا نحن بمكة، فطاف بالبيت و طفت معه، ثم خرج فمشي قليلا فاذا أنا بموضعي الذي كنت فيه أعبدالله بالشام، و غاب الشخص عني، فبقيت متعجبا حولا مما رأيت.

فلما كان في العالم المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به، فدعاني فأجبته ففعل كما فعل في العام الماضي، فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بالحق الذي أقدرك علي ما رأيت منك الا أخبرتني من أنت؟ فقال: أنا محمد بن علي بن موسي بن جعفر، فحدثت من كان يصير الي خبره، فرقي [14] ذلك الي محمد بن عبدالملك الزيات، فبعث الي من أخذني و كبلني في الحديد، و حملني الي العراق و جلست كما تري و ادعي علي المحال.



[ صفحه 872]



فقلت له: فأرفع عنك قصة الي محمد بن عبدالملك الزيات و شرحت أمره فيها و دفعتها الي محمد، فوقع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة الي الكوفة و منها الي المدينة و منها الي مكة و منها الي الشام أن يخرجك من حبسك هذا.

قال علي بن خالد: فغمني ذلك من أمره و رفقت له و انصرفت محروما عليه، فلما كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال و آمره بالصبر و العزاء، فوجدت الجند و أصحاب الحرس و صاحب السجن و خلقا عظيما من الناس يهرجون [15] ، فسألت عن حالهم؟ فقيل: ان المحمول من الشام المتنبي افتقد البارحة من الحبس، فلا ندري أخسفت به الأرض أو اختطفته الطير، و كان هذا الرجل أعني علي بن خالد زيديا، فقال بالامامة لما رأي ذلك و حسن اعتقاده.

و عن محمد بن علي الهاشمي قال: دخلت علي أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام صبيحة عرسه ببنت المأمون، و كنت تناولت من الليل دواء، فأول من دخل عليه في صبيحته أنا، و قد أصابني العطش و كرهت أن أدعو بالماء، فنظر أبوجعفر عليه السلام في وجهي و قال: أراك عطشان؟ قلت: أجل، قال: يا غلام اسقنا ماءا، فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم و اغتممت لذلك، فأقبل الغلام و معه الماء، فتبسم في وجهي ثم قال: يا غلام ناولني الماء، فتناول فشرب، ثم ناولني و تبسم فشربت، و أطلت عنده فعطشت، فدعا بالماء ففعل كما فعل في المرة الاولي و شربت، ثم ناولني و تبسم.

قال محمد بن حمزة: فقال لي محمد بن علي الهاشمي: و الله اني لأظن أن أباجعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة.

و عن المطرفي قال: مضي أبوالحسن الرضا عليه السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري و غيره، فأرسل الي أبوجعفر عليه السلام: اذا كان في الغد فأتني، فأتيته فقال لي: مضي أبوالحسن و لك عليه أربعة آلاف درهم؟ فقلت: نعم، فرفع المصلي فاذا تحته دنانير فدفعها الي، فكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم.

و عن معلي بن محمد قال: خرج علي أبوجعفر عليه السلام حدثان موت أبيه فنظرت الي قده لأصف قامته لأصحابنا، فقعد ثم قال: يا معلي ان الله احتج في الامامة بمثل ما



[ صفحه 873]



احتج به في النبوة فقال: (و آتيناه الحكم صبيا) [16] .

و عن داود بن القاسم الجعفري قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام و معي ثلاث رقاع غير معنونة، و اشتبهت علي فاغتممت، فتناول أحدها و قال: هذه رقعة ريان بن شبيب، ثم تناول الثانية فقال: هذه رقعة فلان، فبهت أنظر اليه، فتبسم و أخذ الثالثة فقال: هذه رقعة فلان، فقلت: نعم جعلت فداك، فأعطاني ثلاث مأة دينار، و أمرني أن أحملها الي بعض بني عمه، ثم قال: أما انه سيقول لك: دلني علي حريف يشتري لي بها متاعا، فدله عليه، قال: فأتيته بالدنانير، فقال لي: يا أباهاشم دلني علي حريم يشتري لي بها متاعا، فقلت: نعم وكلمني في الطريق جمال سألني أن أخاطبه في ادخاله مع بعض أصحابه في أموره، فدخلت عليه لاكلمه فوجدته يأل و معه جماعة فلم أتمكن من كلامه، فقال: يا أباهاشم كل و وضع بين يدي ما أكل منه، ثم قال ابتداءا من غير مسألة: يا غلام انظر الجمال الذي أتانا به ابوهاشم، فضمه اليك.

قال أبوهاشم: و دخلت معه يوما بستانا فقلت له: جعلت فداك اني مولع بأكل الطين فادع الله لي، فسكت ثم قال لي بعد أيام ابتداءا منه: يا أباهاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين، قال أبوهاشم: فما من شي ء أبغض الي عنه اليوم، و الأخبار في هذا المعني كثيرة و فيما أثبتناه منها كفاية فيما قصدناه ان شاء الله.

باب: ذكر وفاة أبي جعفر عليه السلام و موضع قبره و ذكر ولده:

قد تقدم القول في مولد أبي جعفر عليه السلام و ذكرنا أنه ولد بالمدينة، و أنه قبض ببغداد، و كان سبب و روده اليها اشخاص المعتصم له من المدينة، فورد ببغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين و مأتين، و توفي بها في ذي القعدة من هذه السنة، و قيل: انه مضي مسموما و لم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به.

و دفن في مقابر قريش في ظهر جده أبي الحسن موسي بن جعفر عليهم السلام و كان له يوم قبض خمسا و عشرين سنة و أشهرا، و كان منعوتا بالمنتجب و المرتضي، و خلف بعده من الولد عليا ابنه الامام من بعده، و موسي، و فاطمة، و أمامة ابنتيه، و لم يخلف ذكرا غير من سميناه (آخر كلامه).

قال ابن الخشاب: ذكر أبي جعفر المرتضي محمد بن علي الرضا بن موسي



[ صفحه 874]



الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم:

و بهذا الأسناد عن محمد بن سنان قال: مضي المرتضي أبوجعفر الثاني محمد ابن علي و هو ابن خمس و عشرين سنة و ثلاثة أشهر و اثني عشر يوما في سنة مأتين و عشرين من الهجرة، و كن مولده سنة مأة و خمس و تسعين من الهجرة، فكان مقامه مع ابيه سبع سنين و ثلاثة اشهر، و قبض في يوم الثلاثاء لست ليال خلون من ذي الحجة سنة مأتين و عشرين، و في رواية أخري أقام مع ابيه تسع سنين و أشهرا.

ولد في رمضان ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت منه سنة خمس و تسعين و مأة، و قبض في يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مأتين، أمه أم ولد يقال لها سكينة مريسية، و يقال لها: حريان و الله أعلم، لقبه المرتضي و القانع، و قبره في بغداد بمقابر قريش، يكني بأبي جعفر.

قلت: أخل الشيخ بذكر أولاده عليهم السلام.

و من كتاب الدلايل عن أمية بن علي قال: كنت مع أبي الحسن بمكة في السنة التي حج فيها، ثم صار الي خراسان، و معه أبوجعفر، و أبوالحسن يودع البيت، فلما قضي طوافه عدل الي المقام فصلي عنده، فصار أبوجعفر علي عنق موفق يطوف به، فصار أبوجعفر الي الحجر فجلس فيه فأطال، فقال له موفق: [17] قم جعلت فداك، فقال: ما أريد أن أبرح من مكاني هذا الا أن يشاء الله، و استبان في وجهه الغم، فأتي موفق أباالحسن فقال له: جعلت فداك قد جلس أبوجعفر في الحجر و هو يأبي أن يقوم، فقام أبوالحسن فأتي أباجعفر فقال: قم يا حبيبي، فقال: ما أريد أن أبرح من مكاني هذا، قال: بلي يا حبيبي، ثم قال: كيف أقوم و قد ودعت البيت وداعا لا ترجع اليه؟ فقال له: قم يا حبيبي، فقام معه.

و عن ابن بزيع العطار قال: قال أبوجعفر: الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا، قال: فنظرنا فمات بعد ثلاثين شهرا.

و عن معمر بن خلاد عن أبي جعفر - أو عن رجل عن أبي جعفر الشك من أبي



[ صفحه 875]



علي - قال: قال أبوجعفر: يا معمر اركب، قلت: الي أين؟ قال: اركب كما يقال لك، قال: فركبت فانتهيت الي واد أو الي وهدة [18] - الشك من أبي علي - فقال لي: قف هاهنا، قال: فوقفت فأتاني، فقلت له: جعلت فداك أين كنت؟ قال: دفنت أبي الساعة و كان بخراسان.

قال القاسم بن عبدالرحمان - و كان زيديا - قال: خرجت الي بغداد فبينا أنا بهذا اذ رأيت الناس يتعادون و يتشرفون و يقفون، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: ابن الرضا، فقلت: و الله لأنظران اليه، فطلع علي بغل أو بغلة فقلت: لعن الله أصحاب الامامة حيث يقولون أن الله افترض طاعة هذا فعدل الي و قال: يا قاسم بن عبدالرحمن: (أبشرا منا واحدا نتبعه انا اذا لفي ضلال و سعر) فقلت في نفسي: ساحر و الله! فعدل الي فقال: (ءألقي الذكر من بيننا بل هو كذاب أشر) قال: فانصرفت و قلت بالامامة، و شهدت أنه حجة الله علي خلقه و اعتقدته.

و عن عمران بن محمد الأشعري قال: دخلت علي أبي جعفر الثاني فقضيت حوائجي و قلت: ان أم الحسن تقرؤك السلام و تسألك ثوبا من ثيابك أجعله كفنا لها، فقال لي: قد استغنت عن ذلك، قال: فخرجت لست أدري ما معني ذلك؟ فأتاني الخبر أنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما أو أربعة عشر يوما.

و عن دعبل بن علي أنه دخل علي الرضا عليه السلام فأمر له بشي ء فأخذه و لم يحمد الله، فقال له: لم لم تحمدالله؟ قال: ثم دخلت بعده علي أبي جعفر، فأمر له بشي ء فقلت: الحمدلله، فقال: تأدبت!

و عن علي بن ابراهيم عن أبيه قال: استأذن علي أبي جعفر قوم من أهل النواحي فأذن لهم فدخلوا و سألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب و له عشر سنين [19] .



[ صفحه 876]



و عن محمد بن سنان قال: قبض أبوجعفر محمد بن علي و هو ابن خمس و عشرين سنة و ثلاثة و أشهر و أثني عشر يوما، توفي في يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مأتين، عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة الا خمسة و عشرين يوما.

و عن أمية بن علي القيسي قال: دخلت أنا و حماد بن عيسي علي أبي جعفر بالمدينة لنودعه، فقال لنا: لا تخرجا اليوم و أقيما الي غد، فلما خرجنا من عنده قال لي حماد أنا أخرج فقد خرج ثقلي، فقلت: أما أنا فأقيم، فخرج حماد فجري الوادي تلك الليلة فغرق فيه و قبره بسيالة (آخر ما نقلت من كتاب الدلايل).

و قال الراوندي رحمه الله: الباب العاشر في معجزات محمد التقي عليه السلام:

عن محمد بن ميمون أنه كان مع الرضا بمكة قبل خروجه الي خراسان قال: فقلت له اني أريد أن أتقدم الي المدينة فأكتب معي كتابا الي أبي جعفر، فتبسم و كتب



[ صفحه 877]



وصرت الي المدينة و كان قد ذهب بصري، فأخرج الخادم أباجعفر الينا يحمله من المهد فناولته الكتاب، فقال لموفق الخادم: فضه و انشره، ففضه و نشره بين يديه فنظر فيه ثم قال لي: يا محمد ما حال بصرك؟ فقلت: يابن رسول الله اعتلت عيناي، فذهب بصري كما تري، فمد يده فمسح بها علي عيني فعاد الي بصري كأصح ما كان، فقبلت يده و رجله و انصرفت من عنده و أنابصير.

و روي عن حكيمة بنت الرضا عليه السلام قالت: لما توفي أخي محمد بن الرضا، صرت يوما الي امرأته أم الفضل لسبب أحتجت اليها فيه، قالت: فبينا نحن نتذاكر فضل محمد و كرمه و ما أعطاه الله من العلم و الحكمة اذ قالت امرأته أم الفضل: أخبرك عن أبي جعفر بعجيبة لم يسمع مثلها، قلت: و ما ذاك؟ قالت: انه ربما كان أغارني مرة بجارية و مرة بتزويج، فكنت أشكوه الي المأمون فيقول: يا بنية احتملي فانه ابن رسول الله، فبينا أنا ذات ليلة جالسة اذ أتت امرأة فقلت: من أنت؟ و كأنها قضيب بان أو غصن خيزران، فقلت: من أنت؟ فقالت: أنا زوجة أبي جعفر بن الرضا و أنا امرأة من ولد عمار بن ياسر، قالت: فدخل علي من الغيرة ما لم أملك نفسي! فنهضت من ساعتي فدخلت الي المأمون و كان ثملا من الشراب و قد مضي من الليل ساعات، فأخبرته بحالي، و قلت: انه يشتمك و يشتمني و يشتم العباس و ولده، قالت: و قلت ما لم يكن، فغاظه ذلك فقام و تبعته و معه خادم، و جاء الي أبي جعفر و هو نائم، فضربه بالسيف حتي قطعه اربا اربا و ذبحه وعاد، فلما أصبح عرفناه ما كان بدا منه و أنفذ الخادم فوجد أباجعفر قائما يصلي و لا أثر فيه، فأخبره أنه سالم، ففرح و أعطي الخادم ألف دينار، و حمل اليه عشرة آلاف دينار، و اجتمعا و اعتذر اليه بالسكر، و أشار عليه بترك الشراب فقبل.

و هذه القصة عندي فيها نظر و أظنها موضوعة، فان أباجعفر عليه السلام انما كان يتزوج و يتسري حيث كان بالمدينة، و لم يكن المأمون بالمدينة فتشكو اليه ابنته، قال قلت: انه جاء حاجا، قلت: لم يكن ليشرب في تلك الحال، و أبوجعفر عليه السلام مات ببغداد و زوجته معه فأخته أين رأتها بعد موته، و كيف اجتمعتا و تلك بالمدينة و هذه ببغداد، و تلك الامرأة التي من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه في المدينة تزوجها فكيف رأتها أم



[ صفحه 878]



الفضل، فقامت من فورها و شكت الي أبيها، كل هذا يجب أن ينظر فيه و الله أعلم [20] .

و منها ما روي عن الشيخ أبي بكر بن اسماعيل قال: قلت لأبي جعفر بن الرضا: ان لي جارية تشتكي من ريح بها، قال: ائتني بها، فأتيته بها، فقال لها: ما تشكين يا جارية، قالت: ريحا في ركبتي، فمسح يده علي ركبتها من وراء الثياب فخرجت و ما اشتكت وجعا بعد ذلك.

و منها ما روي عن علي بن جرير قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام جالسا و قد ذهبت شاة لمولاه، فأخذوا بعض الجيران يجرونهم اليه يقولون: أنتم سرقتم الشاة، فقال لهم أبوجعفر: ويلكم خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان فأخرجوها من داره، فخرجوا فوجدوها في داره فأخذوا الرجل و ضربوه و خرقوا ثيابه و هو يحلف أنه لم يسرق هذه الشاة، الي أن صاروا به الي أبي جعفر عليه السلام، فقال: ويحكم ظلمتم الرجل، فان الشاة دخلت داره و هو لا يعلم، ثم دعاه فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه و ضربه.

و منها ما روي عن محمد بن عمير بن واقد الرازي، قال: دخلت علي أبي جعفر ابن الرضا و معي أخي و به بهر شديد [21] فشكا اليه ذلك البهر، فقال: عافاك الله مما تشكو؟ فخرجنا من عنده و قد عوفي فما عاد اليه ذلك البهر الي أن مات.

قال محمد بن عمير: كان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع، و يشتد ذلك بي أياما، فسألته أن يدعو لي بزواله عني، فقال: و أنت فعافاك الله فما عاد الي هذه الغاية.

و منها ما روي عن القاسم بن المحسن قال: كنت فيما بين مكة و المدينة فمر بي أعرابي ضعيف الحال، فسألني شيئا فرحمته و أخرجت له رغيفا فناولته اياه، فلما مضي عني هبت ريح شديدة زوبعة [22] فذهبت بعمامتي من رأسي، فلم أرها كيف ذهبت و أين مرت، فلما دخلت علي أبي جعفر بن الرضا عليهماالسلام فقال لي: يا قاسم ذهبت عمامتك في الطريق؟ قلت: نعم، قال: يا غلام أخرج اليه عمامته، فأخرج الي عمامتي



[ صفحه 879]



بعينها، قلت: يابن رسول الله، كيف صارت اليك؟ قال: تصدقت علي الأعرابي فشكر الله لك ورد عمامتك و ان الله لا يضيع أجر المحسنين.

و منها ما روي عن اسماعيل بن عياش [23] الهاشمي قال: جئت الي أبي جعفر يوم عيد فشكوت اليه ضيق المعاش، فرفع المصلي و أخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها، فخرجت بها الي السوق فكان فيها ستة عشرة مثقالا من ذهب (هذا آخر ما نقلته من كتاب الراوندي رحمه الله.)

و قال الآبي في نثر الدر: محمد بن علي بن موسي عليه السلام نذر المتوكل في علة ان وهب الله له العافية أن يتصدق بمال كثير، فعوفي فأحضر الفقهاء و استفتاهم، فكل منهم قال شيئا، الي أن قال محمد: ان كنت نويت الدنانير فتصدق بثمانين دينارا، و ان كنت نويت الدراهم فتصدق بثمانين درهما، فقال الفقهاء: ما نعرف هذا في كتاب و لا سنة! فقال: بلي، قال الله عزوجل: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) [24] فعدوا وقايع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ففعلوا فاذا هي ثمانون.

و قال: هذه القصة ان كانت وقعت للمتوكل فالجواب لعلي بن محمد، فان محمدا لم يلحق أيام المتوكل، و يجوز أن يكون له مع غيره من الخلفاء.

قال عبدالله علي بن عيسي أثابه الله تعالي: هذا لا أظنه يصح عن أحد من الأئمة عليهم السلام أن يجيب بهذا الجواب، لأن كل شي ء له كثرة بحسبه؛ فمواطن القتال اذا كانت ثمانين بل خمسين بل عشرين كانت كثيرة - فكثيرا من الملوك العظماء لا يتفق لهم ذلك عشر مرات، فأما المال فلا تستكثر للملك الالوف الكثيرة ألا تري لو أنا قلنا أن الملك له عشرون ألف فرس كانت تستكثر و لو قيل أن له خمسمأة ألف دينار لم يستعظم له ذلك، و علي هذا و أمثاله فقس.

و أتاه عليه السلام رجل فقال له: أعطني علي قدر مروتك، فقال: لا يسعني فقال: علي قدري، قال: أما ذا فنعم، يا غلام أعطه مأة دينار.

و قال أحمد بن حمدون: قال محمد بن علي بن موسي: كيف يضيع من الله كافله، و كيف ينجو من الله طالبه، و من انقطع الي غير الله وكله الله اليه، و من عمل علي



[ صفحه 880]



غير علم أفسد أكثر مما يصلح.

و قال: القصد الي الله تعالي بالقلوب أبلغ من اتعاب الجوارح بالأعمال.


پاورقي

[1] القذة ريش السهم «و القذة بالقذة» يضرب مثلا للشيئين يستويان و لا يتفارقان.

[2] هو الحسين بن قياما الواسطي كان من أصحاب الكاظم عليه السلام و كان من الواقفين بعد موته عليه السلام في امامة الرضا عليه السلام و قد يظهر من بعض الأخبار رجوعه عن الوقف. ذكره في تنقيح المقال فراجع.

[3] الظاهر أن الرجل هو أبوبجير عبدالله بن النجاشي الأسدي جد السابع للنجاشي المعروف صاحب كتاب الرجال و يظهر من قول علماء الرجال أنه كان واقفيا فراجع تنقيح المقال و غيره.

[4] المراد هو المفضل بن عمر الجعفي يعني لو كان مفضل حيا لما كلفته بلقاء أبي جعفر عليه السلام بل كان يكتفي بقولي فقط لأنه الذي شهد بامامة الكاظم عليه السلام بالسماع من الصادق عليه السلام و روج أمر الكاظم و هذا الحديث مما يتمسك به في مدح المفضل و توثيقه و روي هذا الحديث بعينه الطبرسي رحمه الله في اعلام الوري و الكشي في رجاله فراجع.

[5] و هذا الكلام يؤيد ما ذهب اليه المؤلف رحمه الله من أن الرضا عليه السلام مات حتف أنفه و ما قتله المأمون بالسم و قد مر كلامه رحمه الله في ذلك تفصيلا فراجع.

[6] أي أعجبك هيئته و سيرته.

[7] الدست: الوسادة.

[8] المسورة: متكأ من جلد.

[9] أغار أهله أي تزوج عليها.

[10] النبقة واحدة النبق: شجر السدر و النخل و ظاهر المراد هنا الثاني.

[11] هي اسم مواضع و يقال بسر من رأي أيضا لأن المعتصم بناها و انتقل اليها بعسكره.

[12] أي مقيدا.

[13] أي ادعي النبوة.

[14] أي بلغ.

[15] هرج الناس: وقعوا في فتنة و اختلاط.

[16] مريم: 12.

[17] يعني موفق بن هارون و كان الرجل من خدام الرضا عليه السلام بل من خواصه و أصحاب أسراره كما استظهره الشيخ عند ذكر حاله.

[18] الوهدة: ما انهبط من الأرض.

[19] قال المجلسي رحمه الله في البحار بعد ذكر الحديث و نقله عن الكافي و المناقب و كشف الغمة ما لفظه: أقول: يشكل هذا بأنه لو كان السؤال و الجواب عن كل مسئلة بيتا واحدا أعني خمسين حرفا لكان أكثر من ثلاث ختمات القرآن فكيف يمكن ذلك في مجلس واحد، و لو قيل: جوابه عليه السلام كان في الأكثر ب «لا و نعم» أو بالاعجاز في أسرع زمان فبقي السؤال لا يمكن ذلك، و يمكن الجواب بوجوه:

الأول: ان الكلام محمول علي المبالغة في كثرة الأسئلة و الأجوبة فان عد مثل ذلك مستبعد جدا.

الثاني: يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متفقة، فلما أجاب عليه السلام عن واحد فقد أجاب عن الجميع.

الثالث: أن يكون اشارة الي كثر ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة علي الأحكام الكثيرة و هذا وجه قريب.

الرابع: أن يكون المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية أو مكان واحد كمني و ان كان في أيام متعددة.

الخامس: أن يكون مبنيا علي بسط الزمان الذي تقول به الصوفية لكنه ظاهرا من قبيل الخرافات.

السادس: أن يكون اعجازه أثر في سرعة كلام القوم أيضا، أو كان يجيبهم بما يعلم من ضمائرهم قبل سؤالهم.

السابع: ما قيل أن المراد السؤال بعرض المكتوبات و الطومارات فوقع الجواب بخرق العادة (انتهي كلامه رفع مقامه).

قلت: و أقرب الوجوه هو الوجه الثالث كما قربه رحمه الله أيضا فانه كثيرا ما نري في أدلة الأحكام دليلا واحدا يستنبط منه أحكام كثيرة و قد ورد في الحديث «انما علينا أن نلقي اليكم الأصول و عليكم أن تفرعوا» و قد علمنا ذلك الطريق في استنباط الأحكام مولانا الصادق عليه السلام في خبر عبدالأعلي مولي آل سام في باب المسح علي الجبائر قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: عثرت فانقطع ظفري و جعلت علي اصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله عزوجل، قال الله تعالي: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) فامسح عليه، و غير ذلك من الشواهد الكثيرة لهذا الوجه التي لا تخفي علي المتتبع و لعله من هذا القبيل ما ورد في الأحاديث الكثيرة أن عليا عليه السلام قال: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أسر الي ألف حديث في كل حديث ألف باب لكل باب ألف مفتاح. و في بعضها عن أبي عبدالله عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علم عليا بابا يفتح له ألف باب كل باب يفتح له ألف باب.

[20] قال المجلسي رحمه الله بعد نقل كلام المؤلف رحمه الله ما لفظه: أقول: كل ما ذكره من المقدمات التي بني عليها رد الخبر في محل المنع و لا يمكن رد الخبر المشهور المتكرر في جميع الكتب بمحض هذا الاستبعاد.

[21] البهر - بالضم -: تتابع النفس و انقطاعه من الاعياء و غيره.

[22] الزوبعة: ما يقوم من تعارض الرياح تأتي من الجهات الأربع و يصعد الي السماء كأنه عمود.

[23] عباس خ ل.

[24] التوبة: 25.