بازگشت

في طرف من الأخبار عن مناقب أبي جعفر الثاني و دلائله و معجزاته


الكشي عن محمد بن مرزبان عن محمد بن سنان، قال: شكوت الي الرضا عليه السلام وجع العين، فأخذ قرطاسا فكتب الي أبي جعفر [الجواد] عليه السلام، و هو أقل من ثلاث، و دفع الكتاب الي الخادم و أمرني أن أذهب معه، و قال: أكتم! فأتيناه و خادم قد حمله، قال: ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر عليه السلام.

قال [1] : فجعل أبوجعفر عليه السلام ينظر في الكتاب و يرفع رأسه الي السماء، و يقول: بأح [2] ، ففعل ذلك مرارا، فذهب كل وجع في عيني، و ابصرت بصرا لا يبصره أحد، قال: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلك الله شيخا علي هذه الامة، كما جعل عيسي بن مريم شيخا علي بني اسرائيل: قال: ثم قلت: يا شبيه صاحب فطرس، قال: فانصرف و قد أمرني الرضا عليه السلام أن أكتم.

فما زلت صحيح البصر حتي أذعت ما كان من أبي جعفر عليه السلام في أمر عيني فعاودني الوجع، قال: قلت لمحمد بن سنان: ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب



[ صفحه 254]



فطرس؟ فقال: ان الله عزوجل غضب علي ملك من الملائكة يدعي فطرس، فدق جناحه ورمي به في جزيرة من جزائر البحر، فلما ولد الحسين عليه السلام بعث الله عزوجل جبرائيل الي محمد صلي الله عليه وآله وسلم ليهنئه بولادة الحسين عليه السلام، و كان جبرائيل صديقا لفطرس فمر به و هو في الجزيرة مطروح، فخبره بولادة الحسين عليه السلام و ما أمرالله به، فقال له: هل لك أن أحملك علي جناح من أجنحتي و أمضي بك الي محمد صلي الله عليه و آله و سلم ليشفع فيك؟ قال: فقال له [3] فطرس: نعم.

فحمله علي جناح من اجنحته حتي أتي به محمدا صلي الله عليه و آله و سلم، فبلغه تهنئة ربه تعالي، ثم حدثه بقصة فطرس، فقال محمد صلي الله عليه و آله و سلم لفطرس: امسح جناحك علي مهد الحسين عليه السلام و تمسح به، ففعل ذلك فطرس، فجبر الله تعالي جناحه ورده الي منزله مع الملائكة [4] .

و روي القطب الراوندي: ان المعتصم دعا جماعة من وزرائه، فقال: اشهدوا لي علي محمد بن علي بن موسي عليهم السلام زورا، و اكتبوا أنه أراد أن يخرج، ثم دعاه، فقال: انك أردت أن تخرج علي؟ فقال: و الله ما فعلت شيئا من ذلك، قال: ان فلانا و فلانا شهدوا عليك، فاحضروا، فقالوا: نعم، هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك.

قال: و كان جالسا في بهو، فرفع أبوجعفر عليه السلام يده، و قال: «اللهم ان كانوا كذبوا علي فخذهم»، قال: فنظرنا الي ذلك البهو كيف يرجف و يذهب و يجي ء،و كلما قام واحد وقع، فقال المعتصم: يا ابن رسول الله اني تائب مما قلت فادع ربك أن يسكنه، فقال: «اللهم سكنه، و انك تعلم أنهم أعداؤك و أعدائي»، فسكن [5] .

قال الشيخ المفيد في الارشاد: و كان المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السلام، لما رأي من فضله مع صغر سنه، و بلوغه في العلم و الحكمة و الأدب و كمال العقل ما لم



[ صفحه 255]



يساوه أحد من مشائخ أهل الزمان، فزوجه ابنته ام الفضل و حملها معه الي المدينة، و كان متوفرا علي اكرامه و تعظيمه و اجلال قدره [6] .

أخبرني الحسن بن محمد بن سليمان عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن شبيب، قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته ام الفضل أباجعفر محمد بن علي عليهماالسلام، بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم و استكبروه [7] و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما انتهي اليه مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك، و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فأنا نخاف أن تخرج به عنا أمرا قد ملكناه الله، و تنزع منا عزا قد البسناه اليك [8] ، فقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم، و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتي كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله أن تردنا الي غم قد انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا، و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، و لو انصفتم القوم لكانوا أولي بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم و أعوذبالله من ذلك، و الله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، و لقد سألته أن يقوم [9] بالأمر و انزعه عن نفسي فأبي، و كان أمرالله قدرا مقدورا، و أما أبوجعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الا عجوبة فيه بذلك.

و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه، فقالوا: ان هذا الفتي [10] و ان راقك منه [11] هديه فانه صبي لا معرفة له و لا فقه،



[ صفحه 256]



فامهله ليتأدب و يتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: و يحكم اني [12] أعرف بهذا الفتي منكم، و أن هذا من أهل بيت علمهم من الله و مواده [13] و الهامه، لم يزل آباؤه اغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بمايتبين لكم به ما وصفت من حاله، قالوا له: قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون: شأنكم و ذاك متي أردتم.

فخرجوا من عنده و أجمع [14] رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم و هو - يومئذ - قاضي الزمان [15] علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة علي ذلك، و عادوا الي المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم الي ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيي بن أكثم، فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست [16] و يجعل له فيه مسورتان [17] ففعل ذلك.

و خرج أبوجعفر عليه السلام و هو - يومئذ - ابن سبع [18] سنين و أشهر، فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه و قام الناس في مراتبهم، و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام، فقال يحيي بن أكثم للمأمون: تأذن لي يا أميرالمؤمنين أن اسأل أباجعفر؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فاقبل عليه يحيي بن أكثم، فقال: اتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟

قال له أبوجعفر: سل ان شئت، قال يحيي: ما تقول جعلني الله فداك في محرم



[ صفحه 257]



قتل صيدا؟ فقال له أبوجعفر عليه السلام: قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان أم كبيرا؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم من كباره؟ مصرا علي ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة [اذ قتله] [19] أو بالحج؟ فتحير يحيي بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و تلجلج [20] حتي عرف جماعة أهل المجلس أمره [21] .

فقال المأمون: الحمدلله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي أهل بيته، و قال لهم: اعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم أقبل علي أبي جعفر عليه السلام فقال له: أتخطب يا أباجعفر؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين، فقال له المأمون: أخطب جعلت فداك لنفسك؟ فقد رضيتك لنفسي، و أنا مزوجك ام الفضل ابنتي و ان رغم [22] قوم لذلك.

فقال أبوجعفر عليه السلام: الحمدلله اقرارا بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته، و صلي الله علي محمد سيد بريته، و الأصفياء منم عترته، أما بعد، فقد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: (و انكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم) [23] .

ثم ان محمد بن علي بن موسي عليه السلام يخطب ام الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليهماالسلام، و هو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجته يا أميرالمؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور؟ قال المأمون: نعم قد زوجتك يا أباجعفر ام الفضل [24] ابتني علي [هذا] الصداق المذكور، فهل



[ صفحه 258]



قبلت النكاح؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: قد قبلت ذلك و رضيت به.

فأمر المأمون أن يقعد الناس علي مراتبهم في الخاصة و العامة، قال الريان: و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من الفضة تشبه الجبال [25] من الابريسيم علي عجلة [26] مملوءة من الغالية، فأمر المأمون أن يخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت الي دار العامة فطيبوا منها، و وضعت الموائد، فأكل الناس و خرجت الجوائز الي كل قوم علي قدرهم... الخ [27] .


پاورقي

[1] «قال» لم ترد في المصدر.

[2] في خ ل «ناج» و «راح».

[3] «له» لم ترد في المصدر.

[4] اختيار معرفة الرجال: ص 582 ح 1092، و عنه البحار: ج 50 ص 66 ح 43.

[5] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 670 ح 18.

[6] الارشاد: ص 319.

[7] في خ ل «استنكروه».

[8] «اليك» لم ترد في المصدر.

[9] في خ ل «يقيم».

[10] في المصدر: «الصبي».

[11] في المصدر: «من».

[12] في المصدر: «انني».

[13] في المصدر: «و مراده».

[14] في المصدر: «و اجتمع».

[15] في خ ل: «القضاة».

[16] الدست - صدر البيت، أو المجلس.

[17] المسوره: متكأ من الجلد.

[18] في المصدر: «تسع».

[19] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.

[20] في المصدر: «و لجلج».

[21] في خ ل: «أمر عجزه».

[22] رغم: ذل عن كره.

[23] النور: 32.

[24] «ام الفضل» لم ترد في المصدر».

[25] في خ ل «مشدودة بالحبال».

[26] في المصدر: «عجل».

[27] الارشاد للمفيد: ص 322 - 319.