بازگشت

طبيعة حكم المأمون


لقد شخّص السيد عبد الله بن موسي بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، طبيعة حكم المأمون وأساليبه برسالة تسلط مزيداً من الأضواء علي العلاقة بين هذا الحاكم وبين الإمام الجواد(عليه السلام)، فقد كان تشخيص هذا السيد دقيقاً وعميقاً، فقد كتب المأمون الي عبد الله بن موسي وهو متوار منه يعطيه الأمان ويضمن له ان يوليه العهد بعده، كما فعل بعلي بن موسي، ويقول: ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني بعدما عملته بالرضا، وبعث الكتاب اليه.

فكتب عبد الله بن موسي:

وصل كتابك وفهمته، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص، وتحتال عليّ حيلة المغتال القاصد لسفك دمي، وعجبت من بَذْلِك العهد وولايته لي بعدك، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا؟! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟ أفي الملك الذي قد غرتك حلاوته؟! فوالله لاَنْ اُقذف ـ وأنا حي ـ في نار تتأجج أحب إليّ من أن ألي أمراً بين المسلمين أو اشرب شربة من غير حلها مع عطش شديد قاتل، أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟ ام ظننت أن



[ صفحه 80]



الاستتار قد أمّلني وضاق به صدري؟ فوالله اني لذلك. ولقد مللت الحياة وأبغضت الدنيا، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك حتي تبلغ من قبلي مرادك لفعلت ذلك، ولكن الله قد حظر عليّ المخاطرة بدمي، وليتك قدرتَ عليَّ من غير أن أبذل نفسي لك فتقتلني، ولقيت الله عزوجل بدمي، ولقيتُه قتيلاً مظلوماً، فاسترحت من هذه الدنيا.

واعلم أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضي الله عزوجل عنّي وفي عمل اتقرب به اليه، فلم أجد رأياً يهدي الي شيء من ذلك، فرجعت الي القرآن الذي فيه الهدي والشفاء، فتصفحته سورة سورة، وآية آية، فلم أجد شيئاً أزلف للمرء عند ربه من الشهادة في طلب مرضاته.

ثم تتبعته ثانية اتأمل الجهاد أيّه أفضل، ولأي صنف، فوجدته جلّ وعلا يقول: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة)، فطلبت أي الكفار أضر علي الإسلام، وأقرب من موضعي فلم أجد أضر علي الإسلام منك، لأن الكفار أظهروا كفرهم، فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم، وأنت ختلت المسلمين بالاسلام، وأسررت الكفر، فقتلت بالظنة، وعاقبت بالتهمة، وأخذت المال من غير حِلِّه فأنفقته في غير محله، وشربت الخمر المحرمة صراحاً، وأنفقت مال الله علي الملهين وأعطيته المغنين، ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالاسلام، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند، فإن يسعدني الدهر، ويعينني الله عليك بأنصار الحق، أبذل نفسي في جهادك بذلاً يرضيه منّي، وإن يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك، أو تختر مني الايام قبل ذلك،فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عزوجل من نيتي، والسلام» [1] .



[ صفحه 81]




پاورقي

[1] نظرية الإمامة: 381، نقلاً عن الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 465.