بازگشت

مع المؤمنين الواعين


كان المأمون حذراً من الإمام الرضا (عليه السلام) يتحيّن الفرص لاغتياله، وقد فعل ذلك في أول فرصة مناسبة فأوعز لعملائه باغتياله، وذلك بعد نحو عامين من ولاية العهد. ففي أول شهر رمضان سنة إحدي ومائتين كانت البيعة للرضا صلوات الله عليه [1] وقبض الرضا (عليه السلام) بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين وله يومئذ خمس وخمسون سنة.. [2] .

عن أحمد بن علي الانصاري قال: سألت أبا الصلت الهروي فقلت له: كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا (عليه السلام) مع اكرامه ومحبته له وما جعل له من ولاية العهد بعده؟

فقال: ان المأمون انما كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله وجعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس انه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم، فلما لم يظهر منه في ذلك للناس إلاّ ما ازداد به فضلاً عندهم ومحلاً في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً في ان يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصاري والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلاّ قطعه وألزمه الحجة، وكان الناس يقولون: والله إنه أولي بالخلافة من المأمون، وكان أصحاب الاخبار يرفعون ذلك اليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده له، وكان الرضا (عليه السلام) لا يحابي المأمون في حق وكان يجيبه بما



[ صفحه 78]



يكره في أكثر احواله فيغيظه ذلك ويحقده عليه ولا يظهره له، فلما أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم [3] .

وعن علي بن ابراهيم، عن ياسر الخادم قال: «لمّا كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتلّ أبو الحسن (عليه السلام) فدخلنا طوس وقد اشتدّت به العلّة، فبقينا بطوس أياماً فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين فلمّا كان في آخر يومه الذي قبض فيه كان ضعيفاً في ذلك اليوم فقال لي بعدما صلّي الظهر: يا ياسر أكل الناس شيئاً؟ قلت: يا سيدي من يأكل ههنا مع ما أنت فيه؟! فانتصب (عليه السلام) ثم قال: هاتوا المائدة، ولم يدع من حشمه أحداً إلاّ أقعده معه علي المائدة يتفقد واحداً واحداً، فلما اكلوا قال: ابعثوا إلي النساء بالطعام، فحمل الطعام إلي النساء فلمّا فرغوا من الأكل أغمي عليه وضعف، فوقعت الصيحة وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات، ووقعت الوصية [4] بطوس وجاء المأمون حافياً وحاسراً يضرب علي رأسه، ويقبض علي لحيته، ويتأسف ويبكي وتسيل الدموع علي خديه فوقف علي الرضا (عليه السلام) وقد أفاق فقال: يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم عليّ، فقدي لك وفراقي إياك؟ أو تهمة الناس لي أنا اغتلتك وقتلتك؟ قال: فرفع طرفه اليه ثم قال: أحسن يا أمير المؤمنين معاشرة أبي جعفر، فإنّ عمرك وعمره هكذا وجمع سبّابتيه.

قال: فلما كان من تلك الليلة قضي(عليه السلام) بعد ما ذهب من الليل بعضه، فلمّا أصبح اجتمع الخلق وقالوا: هذا قتله واغتاله ـ يعني المأمون ـ وقالوا: قتل ابن رسول الله واكثروا القول والجلبة [5] ، وكان محمد بن جعفر بن محمد(عليه السلام) استأمن إلي المأمون وجاء إلي خراسان وكان عمّ أبي الحسن فقال له المأمون: يا أبا جعفر



[ صفحه 79]



أخرج إلي الناس وأعلمهم ان أبا الحسن لا يخرج اليوم، وكره ان يُخرِجه فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفر إلي الناس فقال: ايها الناس تفرقوا فإن أبا الحسن لا يخرج اليوم، فتفرق الناس وغسل أبو الحسن في الليل ودفن» [6] .

وقد استطاع المأمون ان يخدع الكثيرين عندما أظهر حزنه وجزعه علي استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) وبصورة أثرت علي العوام، لكنها لم تنطل علي الخواص. حيث إنهم عرفوا دوافع المأمون وأساليبه وأهدافه، كما لاحظنا ذلك في نصّ أبي الصلت، وكما سنلاحظ ذلك في رسالة عبدالله بن موسي التالية.


پاورقي

[1] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 141.

[2] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 66.

[3] الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 107 ـ 108.

[4] الوصية: الصوت يكون في الناس وغيرهم. الوصية: الرحمة.

[5] الجلبة: اختلاط الأصوات والصياح.

[6] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 108، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 2 / 269، 270.