بازگشت

وقفة عند سلوك المأمون ونزعاته


كانت حياة المأمون ـ قبل توليه الخلافة ـ حياة جد ونشاط وتقشف، علي العكس من أخيه الأمين، الذي كان يميل الي اللعب والبطالة اكثر منه الي الجد والحزم.

ولعل سرّ ذلك يعود الي أن المأمون لم يكن كأخيه، يشعر بأصالة محتده، ولا كان مطمئناً إلي مستقبله، والي رضا العبّاسيين به، بل كان يقطع بعدم رضاهم به خليفةً وحاكماً، ولهذا فقد وجد انه ليس لديه أي رصيد يعتمد عليه غير نفسه، فشمر عن ساعد الجد وبدأ يخطط لمستقبله منذ أن ادرك واقعه، والمميزات التي كان يتمتع بها أخوه الأمين عليه.

ويُلاحظ انه كان يستفيد من أخطاء أخيه الأمين وان الفضل عندما رأي اشتغال الأمين باللهو واللعب، أشار علي المأمون بإظهار الورع والدين، وحسن السيرة، فأظهر المأمون ذلك... وكان كلما اعتمد الأمين حركة ناقصة اعتمد المأمون حركة شديدة.

ومن هنا يتبيّن السرّ فيما يبدو من رسالته للعبّاسيين، حيث نصب فيها نفسه واعظاً تقيّاً، وأضفي عليها هالة من الورع والزهد في الدنيا والالتزام بأحكام الشريعة، ليروه ويراه الناس نوعية اخري تفضل علي نوعية أخيه الأمين.

وقد برع المأمون في العلوم والفنون حتي فاق أقرانه، بل فاق جميع خلفاء بني العباس، فإنه لم يكن في بني العباس أعلم من المأمون [1] .

وهو أعلم الخلفاء بالفقه والكلام [2] .

وكل مَن تعرّض من المؤرخين وغيرهم، لشرح حال المأمون، قد شهد له



[ صفحه 71]



بالتقدم، وبأنه رجل خلفاء بني العباس وواحدهم [3] .

وما يهمنا هنا، هو مجرد الاشارة الي حال المأمون، وما كان عليه من الدهاء والسياسة وحسن التدبير.

وبالرغم من جدارة المأمون فيما اذا قورن الي أخيه الأمين باعتراف أبيه الرشيد بذلك، لكن الرشيد قد اعتذر عن إسناده الأمر إلي الأمين بأن العبّاسيين لا يرضون بالمأمون خليفة [4] .

ويري بعض المؤرخين أنّ السرّ في عدم رضا العبّاسيين بالمأمون يرجع الي ان الأمين كان عبّاسيّاً، بكل ما لهذه الكلمة من معني فأبوه: هارون، وأمه زبيدة حفيدة المنصور... وكان في كنف الفضل بن يحيي البرمكي أخي الرشيد من الرضاعة واعظم رجل نفوذاً في بلاط الرشيد، وكان يشرف علي مصالحه الفضل بن الربيع، العربي الذي لم يكن ثمّة من شك في ولائه للعبّاسيين.

أمّا المأمون فقد كان في كنف جعفر بن يحيي، الذي كان اقل نفوذاً من أخيه الفضل. وكان مؤدبه والذي يشرف علي مصالحه ذلك الرجل الذي لم يكن العباسيون يرتاحون اليه.. لأنه كان متهماً بالميل الي العلويين... أما اُم المأمون فخراسانية غير عربية... [5] .


پاورقي

[1] حياة الحيوان: 1 / 72.

[2] الفهرست: 174، ابن النديم.

[3] الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 154.

[4] راجع الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 152.

[5] راجع الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 156 ـ 157.