بازگشت

انطباعات عن شخصية الإمام الجواد


إنّ مواهب الإمام التقي محمّد بن علي الجواد(عليه السلام) قد ملكت عقول كل من عاصره وتطّلع إلي شخصيته العملاقة واطلع علي عظمة فكره وكمال علمه. وكل من كان يراه لم يقدر أن يتمالك نفسه أمامه ويخرج من عنده إلاّ والإعجاب والخضوع يتسابق بين يديه.

وهنا نشير إلي بعض ما وصلنا من معالم عظمته وسموّ شخصيته علي لسان من عاصره ثم من كتب عنه وأرّخ له.

1 ـ والده الإمام الرضا (عليه السلام): لقد وصف الإمام الرضا (عليه السلام) ابنه الجواد بما يلي:

أ ـ قال عنه قبل ولادته للحسين بن بشار: «والله لا تمضي الأيّام والليالي حتي يرزقني الله ولداً ذكراً يفرّق به بين الحقّ والباطل» [1] .

وزاد في نص آخر: «حتي يولد ذكر من صُلبي يقوم مثل مقامي يحيي الحق ويمحي الباطل» [2] .



[ صفحه 20]



ب ـ وقال عنه بعد ولادته: «هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه» [3] .

ج ـ وقال أيضاً: «هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني» [4] .

د ـ وقال أيضاً لصفوان بن يحيي: «كان أبو جعفر محدَّثاً» [5] .

2 ـ علي بن جعفر (عمّ أبيه): «قال محمد بن الحسن بن عمّار: دخل أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) مسجد الرسول (صلي الله عليه وآله) فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يديه وعظّمه. فقال له أبو جعفر: يا عمّ اجلس رحمك الله، فقال: يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم؟!

فلّما رجع علي بن جعفر الي مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟!

فقال: اسكتوا إذا كان الله عزّوجلّ ـ وقبض علي لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتي ووضعه حيث وضعه، اُنكِرُ فضله؟! نعوذ بالله ممّا تقولون! بل أنا له عبد» [6] .

3 ـ قال الشيخ المفيد: وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام) لِما رأي من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوّجه ابنته أمّ الفضل وحملها معه الي المدينة، وكان متوفّراً علي إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره [7] .



[ صفحه 21]



وقال في وصف الإمام أبي جعفر (عليه السلام) حينما أراد تزويجه واعترض عليه العباسيون: «وأما أبو جعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والاُعجوبة فيه بذلك.. ثم قال لهم: وَيْحَكم إني أعرف بهذا الفتي منكم، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله، ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال [8] .

وقال له المأمون أيضاً بعد أوّل لقاء معه بعد وفاة أبيه الرضا(عليه السلام) وبعد أن اختبره ـ والإمام لم يتجاوز العقد الأول من عمره ـ: «أنت ابن الرضا حقاً ومن بيت المصطفي صدقاً وأخذه معه وأحسن اليه وقرّبه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه».

4 ـ وعزّي أبو العيناء ابن الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) فقال له: «أنت تجلّ عن وصفنا ونحن نقلّ عن عظتك، وفي علم الله ما كفاك، وفي ثواب الله ما عزّاك» [9] .

5 ـ وقال عنه العلاّمة سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفّي سنة (654 هـ): «ومحمد، الإمام أبو جعفر الثاني كان علي منهاج أبيه في العلم والتقي والزهد والجود.. وكان يلقّب بالمرتضي والقانع...» [10] .

6 ـ وقال عنه الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفّي سنة (652 هـ): «وان كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر..

وقال أيضاً: مناقب أبي جعفر محمد الجواد ما اتسعت حلبات مجالها ولا



[ صفحه 22]



امتدّت أوقاف آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها فقلّ في الدنيا مقامه وعجّل عليه فيها حمامه فلم تطل لياليه ولا امتدّت أيّامه غير أن الله خصّه بمنقبة أنوارها متألّقة في مطالع التعظيم وأخبارها مرتفعة في معارج التفضيل والتكريم.. ثم ذكر تلك المنقبة التي اعترف بعدها المأمون له بالفضل والسموّ» [11] .

7 ـ وأدلي علي بن عيسي الأربلي المتوفّي سنة (693 هـ) في حقّه وشأنه(عليه السلام) بكلمات أعرب فيها عن عمق ايمانه به وولائه له صلوات الله عليه، فقال:

«الجواد (عليه السلام) في كل أحواله جواد، وفيه يصدق قول اللُغوي: جواد من الجودة من أجواد، فاق الناس بطهارة العُنصر، وزكاء الميلاد، وافترع قُلَّة العلاء فما فاز به أحد ولا كاد.

مجده عالي المراتب، ومكانته الرفيعة تسمو علي الكواكب، ومنصبه يشرف علي المناصب، إذا آنس الوفد ناراً قالوا: ليتها نارُه، لا نار غالب.

له إلي المعالي سُموّ، والي الشّرف رواح وغُدُوّ، وفي السيادة إغراق وغُلُوّ، وعلي هام السماك ارتفاع وعُلوّ، ومن كل رذيلة بُعْدٌ، وإلي كل فضيلة دُنُوّ.

تتأرّج المكارم من أعطافه، ويقطر المجد من أطرافه، وتُروي اخبار السماح عنه وعن أبنائه وأسلافه، فطوبي لمن سعي في ولائه، والويل لمن رغب في خلافه.

إذا اقتُسمتْ غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها، وإذا امتُطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها.



[ صفحه 23]



يباري الغيث جوداً وعطيةً، ويجاري الليث نجدةً وحميّة، ويبذّ السير سيرةً رضية، مرضية سريّة.

إذا عُدِّدَ آباؤه الكرام، وأبناؤه (عليهم السلام) نظَم اللئالي الأفراد في عدِّه، وجاء بجماع المكارم في رسمه وحدِّه، وجَمَع أشتات المعالي فيه، وفي آبائه من قبله، وفي أبنائه من بعده، فمن له أبٌ كأبيه أو جد كجدّه؟!.

فهو شريكهم في مجدهم، وهم شركاؤه في مجده، وكما ملأوا أيدي العفاة بِرِفْدِهم، ملأ أيديهم بِرِفده...

بهم اتَّضحت سُبُل الهُدي، وبهم سُلِمَ من الردي، وبِحُبِّهم تُرجي النجاة والفوز غداً، وهم أهل المعروف، وأولوا النَّدي.

كُلُّ المدائح دون استحقاقهم، وكُلُّ مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم وكُلّ صفات الخير مخلوقة في عنصرهم الشريف وأعراقهم، فالجنة في وصالهم، والنار في فراقهم.

وهذه الصفات تصدق علي الجمع والواحد، وتثبت للغائب منهم والشاهد، وتتنزَّل علي الولد منهم والوالد.

حُبُّهم فريضة لازمة، ودولتهم باقية دائمة، وأسواق سُؤدَدِهم قائمة، وثغور محبيهم باسمة، وكفاهم شَرَفاً أن جدّهم محمد، وأبوهم علي، وأُمُّهم فاطمة (عليهم السلام)» [12] .

فمن يجاريهم في الفخر؟! ومن يسابقهم في علوّ القدر؟

وما تركوا غاية إلاّ انتهوا اليها سابقين، ولا مرتبة سؤدد إلاّ ارتفقوها آمنين من اللاحقين، وهذا حقّ اليقين بل عين اليقين.



[ صفحه 24]



الناس كلّهم عيال عليهم ومنتسبون انتساب العبودية اليهم.

عنهم اُخذت المآثر، ومنهم تعلّمت المفاخر، وبشرفهم شرف الأوّل والآخر.

ولو اطلتُ في صفاتهم لم آتِ بطائل، ولو حاولت حصرها نادتني الثريا: مَن يد المتناول؟ وكيف تطيق حصر ما عجز عنه الأواخر والأوائل؟»

8 ـ وقال الذهبي: «كان محمّد يلقّب بالجواد وبالقانع والمرتضي، وكان من سروات آل بيت النبي (صلي الله عليه وآله).. وكان أحد الموصوفين بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد...» [13] .

9 ـ وقال عنه ابن الصبّاغ المالكي المتوفّي سنة (855 هـ): «وهو الإمام التاسع.. عرف بأبي جعفر الثاني، وإن كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر القائم بالإمامة بعد علي بن موسي الرضا.. للنص عليه والإشارة له بها من أبيه كما أخبر بذلك جماعة من الثقات العدول» [14] .

10 ـ وقال الشيخ عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي المتوفّي سنة (1154 هـ): التاسع من الأئمة محمد الجواد... ثم ذكر نسب الإمام وولادته سنة (195 هـ) ثم قال: وكراماته رضي الله عنه كثيرة ومناقبه شهيرة، ثم ذكر بعض مناقبه وختم حديثه بقوله: وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه الجميلة [15] .

11 ـ وقال عنه يوسف اسماعيل النبهاني: «محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمة ومصابيح الاُمة من ساداتنا أهل البيت...» [16] .



[ صفحه 25]



12 ـ ووصفه محمود بن وهيب البغدادي بقوله: «هو الوارث لأبيه علماً وفضلاً وأجلّ إخوته قدراً وكمالاً..» [17] .

13 ـ وذكره الفضل بن روزبهان المتوفّي سنة (927 هـ) في شرحه للصلوات التي أنشأها لبيان فضل النبي(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين فقال ما نصّه:

«اللهم وصلّ وسلّم علي الإمام التاسع الأوّاب السجّاد، الفائق في الجود علي الأجواد، مانح العطايا والأوفاد لعامّة العباد، ماحي الغواية والعناد، قامع أرباب البغي والفساد، صاحب معالم الهداية والإرشاد إلي سبل الرشاد، المقتبس من نور علومه الأفراد من الأبدال والأوتاد أبي جعفر محمّد التقيّ الجواد بن علي الرّضا ساكن روضة الجنة بأنعم العيش، المقبور عند جدّه بمقابر قريش، اللّهم صلّ علي سيّدنا محمد وآل سيّدنا سيّما الإمام السجّاد محمد التقي الجواد» [18] .

14 ـ وقال عنه خير الدين الزركلي: «كان رفيع القدر كأسلافه ذكيّاً طلق الّلسان قويّ البديهة..

وللدبيلي محمد بن وهبان كتاب في سيرته سمّاه: «أخبار أبي جعفر الثاني» [19] .

هذه بعض النصوص التي أدلي بها معاصرو الإمام الجواد(عليه السلام) ومن جاء بعدهم في القرون اللاحقة وهي تمثّل إعجابهم بمواهب الإمام وشخصيّته الفذّة التي تحكي شخصيّة آبائه الكرام الذين حملوا مشاعل الهداية وأعلامها بعد خاتم المرسلين محمد (صلي الله عليه وآله).



[ صفحه 27]




پاورقي

[1] الكافي: 1 / 320، والإرشاد: 2 / 277.

[2] رجال الكشي: 463.

[3] الكافي: 1 / 321.

[4] الكافي: 1 / 321.

[5] اثبات الوصية: 212.

[6] الكافي: 1 / 322.

[7] الارشاد: 2 / 281.

[8] الإرشاد: 2 / 282.

[9] المناقب: 4 / 362.

[10] تذكرة الخواص: 358 ـ 359.

[11] راجع مطالب السؤول: 239، والفصول المهمة: 252.

[12] راجع كشف الغُمّة في معرفة الأئمة: الإمام محمّد الجواد: 2 / 370 ـ 371.

[13] تاريخ الإسلام: 8، والوافي بالوفيات 4: 105.

[14] الفصول المهمة: 251.

[15] الاتحاف بحب الأشراف: 168.

[16] جامع كرامات الأولياء: 1 / 100.

[17] جوهرة الكلام: 147.

[18] راجع: شرح الصلوات للفضل بن روزبهان، وقد سمّاه بوسيلة الخادم الي المخدوم أيضاً.

[19] الاعلام: 7 / 155.