بازگشت

التقشف والزهد


وبجانب حياة اللهو والطرب التي عاشها الناس في عصر الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فقد كانت هناك طائفة من الناس قد اتّجهت إلي الزهد والتقشّف ونظرت إلي مباهج الحياة نظرة زهد واحتقار، فكان من بينهم إبراهيم بن الأدهم وهو ممّن ترك الحياة الناعمة وأقبل علي طاعة الله



[ صفحه 115]



وكان يردّد هذا البيت:



اتّخذ الله صاحباً

ودع الناس جانبا



وكان يلبس في الشتاء فرواً ليس تحته قميص [1] مبالغة منه في الزهد وكان ممّن عُرِف بالتقشّف معروف الكرخي فكان يبكي وينشد في السحر:



أي شيء تريد منّي الذنوب

شغفت بي فليس عنّي تغيب



ما يضرّ الذنوب لو اعتقتني

رحمةً بي فقد علاني المشيب [2] .



وكان من زهّاد ذلك العصر بشر بن الحارث وهو القائل:



قطع الليالي مع الأيام في خلق

والقوم تحت رواق الهمّ والقلق



أحري وأعذر لي من أن يقال غداً

إنّي التمست الغني من كفّ مختلق



قالوا: قنعت بذا؟ قلت: القنوع غني

ليس الغني كثرة الأموال والورق



رضيت بالله في عسري وفي يسري

فلست أسلك إلاّ أوضح الطرق [3] .



ومن الطبيعي أنّ هذه الدعوة إلي الزهد إنّما جاءت كرد فعل لإفراط ملوك العبّاسيّين والطبقة الرأسماليّة في الدعارة والمجون وعدم عفافهم عمّا حرّمه الله من الملاهي.وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الإمام الجواد(عليه السلام). [4] .

الي هنا نكون قد وقفنا علي ملامح هذا العصر وخصائصه الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسوف نردفها ببيان طبيعة علاقة حكّام عصر الإمام مع الإمام(عليه السلام) من جهة، ثم ندرس متطلبات هذا العصر علي ضوء هذه الملامح وعلي ضوء رسالة الإمام الجواد(عليه السلام) في تلك الظروف التي أحاطت به آخذين



[ صفحه 116]



بنظر الاعتبار مجمل أهداف الإمام(عليه السلام) باعتباره أحد عناصر أهل بيت الرسالة الذين اُوكلت اليهم مهمة الحفاظ علي الرسالة والاُمة المسلمة لإيصالهما الي شاطئ الأمن والسلام الذي نادي به الإسلام ووعد به المؤمنين بل المسلمين فضلاً عن العالَمين.



[ صفحه 117]




پاورقي

[1] حلية الأولياء: 7 / 367 ـ 373.

[2] حلية الأولياء: 2 / 181.

[3] صفة الصفوة: 2 / 189.

[4] راجع حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 206 ـ 216.