بازگشت

الفرقة الواقفية


قبل التحدث عن ولادة الامام الجواد (عليه السلام) نتحدث عن الفرقة الواقفية [1] ، لأنها سبقت ولادته:

لقد اختصت حياة الامام الجواد (عليه السلام) بظاهرة تمتاز عن حياة بقية الائمة (عليهم السلام).. فقد عاصرت حياة والده: الامام الرضا (عليه السلام) محنة عقائدية انصبت علي الشيعة، فتضعضعت قلوب بعضهم، و اضطربت افكار بعض، و ثبت الكثيرون علي الحق، و لم تؤثر فيهم تلك الفتنة العقائدية.

لقد تكونت فكرة الوقف، و تولدت - من هذه الفكرة - الطائفة الواقفية التي انفصلت عن الحق، و انحرفت عن خط أهل البيت (عليهم السلام) و رفعت راية الضلال، و سلكت طريق الشيطان، ولكن الراية سقطت، و الفكرة تبخرت، و تلك الطائفة انقرضت، فلم يبق منهم الا الذكر السيي ء في التاريخ.

نعم، يقال: ان شرذمة من اولئك الأفراد لا زالوا يقطنون الهند، و لا يعرف عنهم أكثر من هذا.



[ صفحه 25]



و لا بأس بشرح موجز عن هذه الفرقة التي ضلت و أضلت، و تلاعبت بالعقيدة الاسلامية، و باعت الدين بالدنيا، و فضلت المال علي العقيدة و المبدأ «اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدي فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين».

و قبل الدخول في التحدث عن هذه الفرقة التائهة نذكر سبب تولدها، و الدواعي و الأسباب التي ساعدت علي نموها و تكاثرها، فنقول:

المستفاد من مطاوي الأحاديث و الأخبار أن لتكون هذه الفرقة سببين:

السبب الأول: كان للامام موسي بن جعفر (عليه السلام) - في كل من البصرة و الكوفة و مصر و غيرها - وكلاء، و يعبر عنهم ب (القوام) فكانت الأموال - من الحقوق الشرعية و النذور، و الهدايا و الأوقاف العائدة الي الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) - تحمل الي هؤلاء القوام.

و حيث ان الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) قضي سنوات غير قليلة - من عمره في السجون في البصرة و بغداد، و ما كان محبوسا في سجن عام، بل كان محبوسا في البيوت و تحت الرقابة المشددة، كيلا يلتقي به أحد و لا يلتقي بأحد، لهذا كان من الصعب المستصعب الوصول اليه و الاتصال به، فاجتمعت - عند الوكلاء و النواب - مبالغ ضخمة من الأموال و الحقوق الشرعية التي دفعها الشيعة الي اولئك النواب و الوكلاء.

و لعل الوكلاء و النواب كانوا يعتذرون الي الشيعة بعدم امكان الوصول أو ايصال الأموال الي الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) و لهذا تراكمت عندهم الأموال.

و في كتاب (رجال الكشي) عن يونس بن عبدالرحمن قال: مات



[ صفحه 26]



ابوالحسن موسي بن جعفر (عليه السلام) و ليس من قوامه أحد [2] الا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحودهم موته، و كان عند زياد القندي سبعون الف دينار، و عند علي بن ابي حمزة البطائني ثلاثون الف دينار.

قال (يونس بن عبدالرحمن): و لما رأيت ذلك و تبين لي الحق، و عرفت أمر ابي الحسن الرضا ما عرفت، فكلمت و دعوت الناس اليه (اي الي الامام الرضا).

فبعثا (القندي و البطائني) الي، و قالا لي: ما يدعوك الي هذا؟ ان كنت تريد المال فنحن نغنيك، و ضمنا لك عشرة آلاف دينار.

و قالا: كف. فأبيت، و قلت لهما: اننا روينا عن الصادق (عليه السلام): «اذا ظهرت البدع فعلي العالم أن يظهر علمه، و ان لم يفعل سلب نور الايمان من قلبه».

و ما كنت لأدع الجهاد في أمر الله علي كل حال؛

فناصباني، و أظهرا لي العداوة».

السبب الثاني: التلاعب بحديث سماعة بن مهران، و اليك شيئا من التفصيل:

كان (سماعة بن مهران) من أصحاب الامام الصادق و الامام موسي بن جعفر (عليهماالسلام) و كان من الثقاة، و قد روي حديثا سمعه من الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: «صاحب هذا الأمر (يعني الامام المهدي) فيه شبه من خمسة انبياء:



[ صفحه 27]



يحسد كما حسد يوسف، و يغيب كما غاب يونس. و ذكر أشياء ثلاثة اخري من وجوه الشبه بين الامام المهدي (عليه السلام) و بين ثلاثة من الأنبياء (عليهم السلام).

و يسمع (زرعة بن محمد الحضرمي) هذا الحديث من سماعة بن مهران، ولكن اللعين يحرف الحديث فيقول: (حدثني سماعة بن مهران أن أباعبدالله - الصادق - (عليه السلام) قال: ان ابني هذا (يعني موسي بن جعفر) فيه شبه من خمسة انبياء...) الي آخر الحديث.

فيكون المعني ان الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) فيه شبه من خمسة انبياء، و أنه يغيب كما غاب يونس، فتكون النتيجة ان الامام موسي بن جعفر لا يموت بل يغيب.

و يجد زرعة بن محمد هذا الحديث - الذي حرفه بنفسه - خير وسيلة لاضلال الناس و اغوائهم، فتراه يحدث الناس بهذا الحديث المفتعل، و ينسبه الي سماعة بن مهران عن الامام الصادق (عليه السلام).

و مما ساعده علي اشاعة هذه الاكذوبة هو أن سماعة بن مهران كان قد توفي قبل وفاة الامام موسي بن جعفر، و لهذا انتشرت هذه الاكذوبة بلا رادع و لا مانع، لأن سماعة لم يكن موجودا حتي يكذب هذا الخبر المزور.

فكان بعض ضعفاء العقيدة من الشيعة و الذين في قلوبهم مرض يتقبلون منه هذا الاكذوبة.

و اما الوكلاء الذين تراكمت عندهم الأموال فانهم وجدوا هذا الحديث المزيف خير وسيلة لاستمرار علي الخيانة، و تصرفهم في أموال الامام (عليه السلام).

فلو اعترفوا بوفاة الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) لكان من



[ صفحه 28]



الواجب عليهم أن يدفعوا الأموال الي الامام الرضا (عليه السلام) بصفته الامام بعد أبيه، أو يدفعوا الأموال الي ورثة الامام موسي بن جعفر، و النتيجة واحدة.

و لهذا جعلوا ينشرون هذا الحديث - الذين يعلمون كذبه - في الأوساط الشيعية، كل ذلك طمعا في حطام الدنيا!

و من المؤسف اننا لم نجد - في كتب التراجم - الدافع الذي دفع زرعة بن محمد الي افتعال هذا الخبر و تزويره و تحريفه، و يا ليتنا كنا نعلم اتجاه الرجل و سريرته حتي نعلم الدواعي لهذا الانحراف، و لهذه الجريمة العقائدية، و الجناية الدينية. و الخيانة العظيمة، فهل كان زرعة أحد وكلاء الامام، فتراكمت عنده أموال الامام، فطمع الرجل في الأموال كما طمع زملاؤه؟

نعم، ذكر علماء الرجال: انه واقفي، و يا ليتهم كتبوا عنه أنه أحد مؤسسي هذه الفكرة، و مخترعي هذه العقيدة، و مفتعلي هذه الاسطورة.

و علي كل تقدير، فقد انتهز الوكلاء هذه الفرصة، و تشبثوا بذلك الحديث المزور - الذي حرفه زرعة بن محمد - فجعلوا يتصرفون في أموال الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) تصرفات غير مشروعة.

روي الكشي بسنده.. قال:

«كان بدؤ الواقفة: انه اجتمع عند الأشاعثة [3] زكاة اموالهم، و ما كان يجب عليهم فيها، فحملوها الي وكيلين لموسي (عليه السلام) بالكوفة، أحدهما: حيان السراج، و آخر كان معه، و كان موسي (عليه السلام)



[ صفحه 29]



في الحبس، فاتخذوا بذلك دورا و عقارا، و اشتروا الغلات، فلما مات موسي (عليه السلام) و انتهي الخبر اليهما أنكرا موته، و اذاعا في الشيعة: انه لا يموت، لأنه القائم.

فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة، و انتشر قولهما في الناس، حتي أنهما عند موتهما أوصيا بدفع المال الي ورثة موسي (عليه السلام) و استبان للشيعة أنهما انما قالا ذلك حرصا علي المال».

أقول: ان هؤلاء الوكلاء او النواب كانوا خونة غير امناء علي الأمانات التي أمر الله تعالي عباده أن يؤدوا الأمانات الي أهلها.

و ليس معني كلامي هذا أن الامام ائتمن الخائن المعروف بخيانته، بل اننا نجد أن بعض الأئمة (عليهم السلام) كانوا يعاملون الناس بظواهرهم، فهناك أفراد كانوا ظاهري الصلاح، و عرفوا بالديانة و الأمانة، فكان الأئمة (عليهم السلام) يسلمون اليهم الودائع و الأمانات، ثم كانت الخيانة تظهر منهم بشكل فظيع.

فهذا عبيد الله بن العباس الذي نصبه الامام الحسن المجتبي (عليه السلام) قائدا لجيشه، فترك الجيش و التحق بمعاوية في مقابل مقدار من المال.. و كم له من نظير!

نعم، ان الأئمة (عليهم السلام) كانوا يعاملون الناس علي الظاهر «ليهلك من هلك عن بينة، و يحيي من حي عن بينة».

و هناك اسرار و مصالح قد يظهر لنا بعضها، و يخفي علينا اكثرها، فالله تعالي يختبر عباده و يمتحنهم بأنواع مختلفة، و صور متعددة حتي تظهر نفسياتهم و حقائقهم، قال تعالي، (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون، و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا



[ صفحه 30]



و ليعلمن الكاذبين) [4] .

ايها القاري ء الكريم: لقد عرفت السبب لتولد هذه الفرقة و هذا المذهب الشيطاني - الذي يعبر عنه بالوقف، و يعبر عن أتباعه بالواقفية، لأنهم وقفوا علي امامة الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) و لم يعترفوا بامامة من بعده -.

و عرفت أن كل ذلك كان بدافع الطمع و الخيانة و السرقة بأبشع صورها.

و قد عرفت ايضا أن أكثر أقطاب هذه الفرقة و رجال هذه الجريمة هم الوكلاء الذين تراكمت عندهم أموال الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) فتلاعبوا بها، و تصرفوا فيها تصرفات لا يرضي بها الله و لا رسوله، و خالفوا الشرع و العقل و الوجدان و الفضيلة و الانسانية و الأمانة و الديانة، و نبذوا وراءهم جميع هذه المفاهيم و القيم، و اتبعوا أهواءهم، و استسلموا لأقبح انواع الخيانة.

و لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) - حول هذه الفرقة و كشف هويتها - كلمات لا بأس بذكر بعضها:

في كتاب رجال الكشي بسنده عن الحكم بن عيص قال: دخلت مع خالي سليمان (علي الامام الصادق عليه السلام) فقال - الامام -:من هذا الغلام؟

فقال: ابن اختي.

فقال: يعرف هذا الأمر؟ (أي التشيع).



[ صفحه 31]



فقال: نعم.

فقال - الامام -: الحمدلله الذي لم يخلقه شيطانا، ثم قال: يا سليمان تعوذ بالله ولدك [5] من فتنة شيعتنا!.

قلت: جعلت فداك و ما تلك الفتنة؟

قال: انكارهم الأئمة، و وقوفهم علي ابني موسي ينكرون موته، و يزعمون أن لا امام بعده، اولئك شر الخلق.

و روي الكشي - أيضا - عن محمد بن أبي عمير عن رجل من أصحابنا قال: قلت - للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، قوم قد وقفوا علي أبيك، يزعمون أنه لم يمت.

قال: كذبوا، و هم كذاب بما انزل الله عزوجل علي محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) و لو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم - لحاجة الخلق اليه - لمد الله في أجل رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم).

و بسنده عن يوسف بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): اعطي - هؤلاء الذين يزعمون أن اباك حي (اي الواقفية) من الزكاة شيئا؟

قال: لا تعطهم، فانهم كفار، مشركون، زنادقة.

و عن محمد بن عاصم قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يا محمد بلغني انك تجالس الواقفة؟

قلت: نعم، جعلت فداك، أجالسهم و أنا مخالف لهم.

قال: لا تجالسهم، فان الله عزوجل يقول: (و قد نزل عليكم في



[ صفحه 32]



الكتاب أن اذا سمعتم آيات الله يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتي يخوضوا في حديث غيره، انكم اذا مثلهم) [6] يعني بالآيات: الأوصياء الذين كفر بهم الواقفة.

و في نفس المصدر عن الفضل بن شاذان عن الامام الرضا (عليه السلام) أنه سئل عن الواقفة؟

فقال (عليه السلام): يعيشون حياري و يموتون زنادقة.

و من الواضح أن هذه الفرقة عاصرت الامام الرضا (عليه السلام) و كان لها موقف - بل مواقف - غير حسنة معه، كما سبقت الاشارة اليه فانهم كانوا ينكرون امامة الامام الرضا، و يزعمون أن الامام موسي بن جعفر لا يزال حيا، و أنه القائم المنتظر، و يزعمون ضلالة من يدعي الامامة بعد الامام موسي بن جعفر (عليه السلام).

و اقتضت الحكمة الالهية أن لا يولد الامام الجواد (عليه السلام) في أيام شباب والده الامام الرضا، بل يولد يوم كان عمر الامام الرضا خمسة و اربعين سنة تقريبا، و هذا مما ساعد في تهريج هؤلاء ضد الامام الرضا (عليه السلام).

ففي الوقت الذي كانوا يشككون في امامة الرضا تراهم كانوا يستدلون - علي ما يدعون - أن الامام الرضا عقيم، و الامام لا يكون عقيما.

كل ذلك قبل ولادة الامام الجواد (عليه السلام) و كانوا يدخلون علي الامام الرضا (عليه السلام) و يسألونه عن هذا الموضوع، و اليك بعض التفصيل:



[ صفحه 33]



في رجال الكشي بسنده عن الحسين بن يسار قال: استأذنت أنا و الحسين بن قياما علي الرضا (عليه السلام) في (صريا) فأذن لنا فقال: افرغوا من حاجتكم [7] .

فقال له الحسين (بن قياما): تخلو الأرض من ان يكون فيها امام؟

فقال: لا.

قال: فيكون فيها اثنان؟

قال: لا، الا و أحدهما صامت لا يتكلم.

قال (ابن قياما): قد علمت أنك لست بامام!

قال: من اين علمت؟

قال: انه ليس لك ولد، و انما هي (اي الامامة) في العقب.

فقال - الامام - له: فوالله لا تمضي الايام و الليالي حتي يولد لي ذكر من صلبي، يقوم مثل مقامي.

و يروي هذا الحديث بطرق اخري كما يلي:

في كتاب الارشاد - للشيخ المفيد - عن الكافي بسنده عن الحسين بن يسار - أو بشار - قال: كتب ابن قياما الي ابي الحسن الرضا (عليه السلام) كتابا يقول فيه:

«كيف تكون اماما و ليس لك ولد؟».

فأجابه ابوالحسن (عليه السلام) - شبه المغضب -: و ما علمك أنه لا يكون لي ولد؟، والله لا تمضي الايام و الليالي حتي يرزقني الله ولدا ذكرا



[ صفحه 34]



يفرق بين الحق و الباطل. [8] .

و في كتاب الكافي أيضا عن ابن ابي نصر قال: قال لي ابن النجاشي: من الامام بعد صاحبك؟ فاشتهي ان تسأله حتي أعلم.

فدخلت علي الرضا (عليه السلام) فأخبرته، فقال لي:

الامام ابني، ثم قال: هل يتجرأ أحد أن يقول: ابني. و ليس له ولد؟ [9] .

و في الكافي عن ابن قياما الواسطي قال: دخلت علي علي بن موسي (عليهماالسلام) فقلت له: أيكون امامان؟ قال: لا، الا و أحدهما صامت.

فقلت له: هوذا أنت ليس لك صامت - و لم يكن ولد له ابوجعفر بعد -.

فقال لي: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق و أهله، و يمحق به الباطل و أهله. فولد له - بعد سنة - أبوجعفر (عليه السلام) و كان ابن قياما واقفيا. [10] .



[ صفحه 35]




پاورقي

[1] الواقفية: الذين وقفوا علي امامة الامام موسي الكاظم (عليه السلام) و لم يعتقدوا بالامام الذي بعده.

[2] و في نسخة: ليس من نوابه أحد.

[3] لم أجد في كتب اللغة معني للأشاعثة سوي أنهم منسوبون الي الأشعث. فقط و التفصيل غير معلوم.

[4] سورة العنكبوت آية 3، 2.

[5] لعل الأصح: و ولدك.

[6] سورة النساء آية 140.

[7] اي: اسألوا عما تريدون.

[8] كتاب الكافي ج 1 / 321.

[9] كتاب الكافي ج 1 / 321.

[10] كتاب الكافي ج 1 / 321.