بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات، و برحمته تمحي السيئات، و صلي الله علي سيدنا و مولانا و نبينا محمد سيد السادت، و علي آله أطهر البريات، و اللعنة علي أعدائهم من الآن الي آخر الحياة.

«اللهم صل علي محمد بن علي بن موسي، علم التقي، و نور الهدي، و معدن الوفاء، و فرع الأزكياء، و خليفة الأوصياء، أمينك علي وحيك،

اللهم فكما هديت به من الضلالة، و استنقذت به من الحيرة، و أرشدت به من اهتدي، و زكيت به من تزكي، فصل عليه أفضل ما صليت علي أحد من أوليائك، و بقية أوصيائك، انك عزيز حكيم».

و بعد: فهذه صفحات تتضمن بعض الجوانب من حياة امام من أئمة أهل بيت النبوة، و موضع الرسالة و مختلف الملائكة و مهبط الوحي و معدن الرحمة.

جعله الله في ذروة العظمة، و قمة الشرف و أوج الجلالة و السيادة.

و كيف أستطيع أن أتحدث عن هذا الامام العظيم و نحن في زمان قد ضاعت فيه المقاييس، و اختلت فيه الموازين، و أصبحت فيه القيم و المفاهيم مهجورة، و الجوانب المادية قد تغلبت لي الأفكار و الأقلام، و نسي



[ صفحه 8]



المسلمون - أو تناسوا - الحقائق الثابتة، بعد أن استولي عليهم الفراغ العقائدي، فجرفتهم التيارات السياسية المصبوغة بصبغة الدين، فحاربوا الدين باسم الدين، و كافحوا الاسلام باسم الاسلام، من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

فتكونت المذاهب، و تشكلت الطوائف، و تولدت الطرائق، فصار المسلمون فرقا و أحزابا، كل حزب بما لديهم فرحون.

وقام أفراد - من ذوي الأطماع و المصالح الشخصية - يدعون الناس الي أنفسهم باسم الخلافة و هم فاقدون لمؤهلاتها و شروطها، فالتف الناس حولهم و راجت بضاعتهم.

وقام اناس آخرون يدعون الناس الي آرائهم و أفكارهم الشاذة التي ما أنزل الله بها من سلطان، فوجدوا التجاوب من أتباع كل ناعق و من الذين يميلون مع كل ريح.

ولكن يجب أن نتساءل: هل أن الدين الاسلامي - بطبعه و طبيعته - يتطلب الانقسام و التفرقة و التشتت؟

أم أن الاسلام هو الدين الوحيد الذي تأسس علي الوحدة و الاتحاد و نهي عن التفرقة و الاختلاف؟!

لكي تعرف الاجابة علي هذا السؤال... أنظر الي القرآن الكريم تراه يصرح بقوله تعالي: (و ان هذه امتكم امة واحدة) [1] و بقوله عز من قائل: (و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا و اذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا) [2] و قوله



[ صفحه 9]



سبحانه: (انما المؤمنون اخوة) [3] و غيرها من الآيات.

و قد وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) حول هذا الموضوع بالذات، يطول الكلام بذكرها.

فمن أين - اذن - جاءت التفرقة؟! و كيف تكونت المذاهب؟! و كيف حصل الاختلاف بين المسلمين في عقائدهم و أحكامهم؟!

من الواضح أن الاجابة علي هذه الاسئلة تتطلب الكثير من الشرح و التفصيل، و مقدمة الكتاب لا تناسب اطالة الكلام في هذا الموضوع، ولكننا نلخص القول و نوجزه فيما يلي:

لقد بعث الله نبيه محمدا (صلي الله عليه و آله و سلم) رسولا الي الناس، فجاء بالدين الكامل الجامع الذي يضمن سعادة الدنيا و الآخرة، و أنزل الله القرآن تبيانا للناس، فيه ما يحتاج اليه البشر من العقائد و الأحكام و الأخلاق - بشكل اجمالي او تفصيلي -.

فكان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يفسر من القرآن ما يحتاج الي تفسير، فمثلا:

أمر الله تعالي عباده بالصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و غير ذلك، فكان رسول الله يبين للناس واجبات الصلاة و عدد ركعاتها و أحكام الصوم، و الأشياء التي تجب فيها الزكاة، و مناسك الحج و غير ذلك.

فآمن برسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) من آمن، و اهتدي به من اهتدي.

و حيث أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) هو خاتم الأنبياء و لا نبي بعده.



[ صفحه 10]



و حيث أن القرآن هو آخر كتاب سماوي أنزله الله سبحانه.

و حيث أن الله أرسل رسوله الي الناس كافة.

و حيث أن الشريعة الاسلامية هي آخر الشرائع الالهية.

و حيث أن «حلال محمد حلال الي يوم القيامة و حرامه حرام الي يوم القيامة» فلا نسخ و لا تغيير و لا تبديل في أحكام الاسلام.

بعد الانتباه الي هذه «الحيثيات» فلا بد و أن يكون الدين الاسلامي جامعا لجميع جوانب الحياة البشرية حتي لا يحتاج الناس الي دين آخر أو الي قوانين أخري أو الي شريعة غير الشريعة الاسلامية.

و حيث أن المسلمين - في عهد الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) - كانوا في دور التكوين، و لم يكن لهم يومذاك النضج الفكري في العقائد و الأحكام، من حيث التحليل و التعليل، و معرفة فلسفة الأحكام و غير ذلك، لأن العقائد الفاسدة - كاجبر و التفويض و الحلول و التناسخ و التثليث الثنوية و ما شابه ذلك - لم تكن معروفة عندهم يومذاك.

فكان لا بد من تعيين أفراد أكفاء و عناصر شريفة تقوم بهذه المهام في الأجيال التي جاءت بعد عصر الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) لدفع شبهات الملاحدة، و الاجابة علي اسئلة المنحرفين و حل المشاكل العلمية و المسائل الفقهية.

و كانت هناك أحكام كثيرة غير معلومة عند المسلمين في شتي القضايا و الامور.

فاذا كانت المدرسة الابتدائية تحتاج الي مدير.



[ صفحه 11]



و الحكومة تحتاج الي رئيس و أمير.

و قطيعة الغنم بحاجة الي الراعي.

و العائلة الواحدة لا تستغني عن كبير يشرف علي امورها، و يوفر لها ما تحتاج اليه.

أما يحتاج المجتمع الاسلامي الي قائد محنك، عالم بجميع الامور، تتوفر فيه المؤهلات، و تجتمع فيه شروط القيادة الصحيحة كي يقتدي به المجتمع الاسلامي، و ينضوي تحت لوائه؟!

و هل يمكن أن تعيش امة من الأمم حياة آمنة مطمئنة بلا رئيس أو أمير؟!

من الواضح أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) كان أكثر أهل العالم علما و معرفة و حكمة و بصيرة بالامور، فهل من المعقول أن يترك هذا النبي - الحكيم العارف العالم - امته بلا قائد و بلا امام؟!

فاذا نسبنا الي سيد الأنبياء اهمال امور امته فقد ظلمناه و افترينا عليه.

و اذا قلنا: ان الرسول قد راعي هذه الامور المهمة و هذه الجوانب العظيمة، و عين من يقوم مقامه لسد هذا الفراغ كي يخلفه من بعده، فمن هو ذلك الخليفة الذي عينه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و نصبه لامته؟

يقولون: ان رسول الله جعل الأمر شوري بين امته، يختارون من شاؤوا، ليقوم بأعباء الخلافة و قيادة المسلمين!!

سبحان الله! ما أبعد هذا القول عن الصواب!

كيف يصنع رسول الله هكذا؟ و هو القائل: «... و ستفترق امتي من بعدي علي ثلاث و سبعين فرقة، فرقة في الجنة، و الباقون في النار»؟!



[ صفحه 12]



اليس معني ذلك ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) هو الذي ساعد علي اختلاف امته، و سبب التفرقة بين المسلمين؟!

اليس معني هذا هو الضياع و الاهمال للدين؟! ذلك الدين الذي بذل رسول الله لاجله كل غال و نفيس، و تحمل ما تحمل من الأذي لأجله حتي قال: «ما اوذي نبي بمثل ما اوذيت»؟!

نعم، ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قام بما يلزم و ما يجب تجاه هذه الامور، و اتخذ أحسن التدابير اللازمة لسد كل فراغ في الاسلام، و خطط لكل ما يحتاج اليه المسلمون من جميع النواحي، و اتخذ الوسائل الوقائية أمام كل انحراف عقائدي، أو شذوذ فكري، و ذلك عن طريق نصب الأئمة و تعيينهم من بعده.

فكانت دعوته الي التوحيد و النبوة مشفوعة بالدعوة الي الامامة و الخلافة من بعده.

و من الواضح: أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا يقدم علي نصب الخليفة من عند نفسه، و اتباعا لهواه أو عواطفه.

حاشا رسول العظمة من هذه التصرفات، بل لا بد و أن يكون تعيين الخليفة من عند الله الحكيم الخبير البصير، الذي يعلم ضمائر القلوب، و عواقب الامور، لأن الخلافة تالية للنبوة، فلا بد من توفر المؤهلات و اللياقة و الاستعداد للقيام بما يتطلبه هذا المقام المنيع الرفيع.

و انطلاقا من هذه النقطة فلقد قام (صلي الله عليه و آله و سلم) بهذه المهمة من أوائل بعثته، يوم كان في مكة، و كان عدد المسلمين - يومذاك - قليلا جدا.



[ صفحه 13]



النبي يعين الخليفة

لما نزل قوله تعالي: (و انذر عشيرتك الأقربين) [4] نصب رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) عليا (عليه السلام) بالخلافة و الامامة و الولاية، في مأدبة أقامها لعشيرته و هم حوالي اربعين رجلا، و القصة مفصلة مشهورة، مذكورة في أكثر التفاسير حول هذه الآية بالذات، و في أكثر كتب الأحاديث من الشيعة و السنة. [5] .

و بذل رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) جهودا كثيرة - خلال سنوات نبوته - في سبيل تثبيت قواعد الامامة و الخلافة.

فتارة كان يقول: «اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي: أهل بيتي و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، و انكم لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما». [6] .

و تارة كان يرفع صوته - يوم الغدير - و يقول: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه». [7] .



[ صفحه 14]



و لقد تكرر منه القول: «الأئمة بعدي اثنا عشر، كلهم من قريش» [8] .

الي غير ذلك من النصوص و التصريحات حول الامامة و الائمة، و الخلافة و الخلفاء، مما يطول الكلام بذكرها - هنا - و هي مذكورة في موسوعات كتب الأحاديث.

و لا أريد أن أقول - في هذا البحث -: ان طائفة كبيرة من تلك المساعي و الجهود التي بذلها رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) في هذا السبيل قد ذهبت ادراج الرياح، و ذلك بعد وفاته، حيث تبدلت الامور، و تغيرت الأوضاع، و منعوا الامام عليا (عليه السلام) عن القيام بأعباء الخلافة، و ادارة الامور، و حالوا بينه و بين انجازاته و انتاجاته، و أجلسوه في بيته و سلبوه امكانياته، و حاربوه اقتصاديا و سياسيا و بكل صورة ممكنة، و اخيرا قتلوه!

و هكذا الأئمة الذين جاؤا بعده كان مصيرهم مصير الامام علي (عليه السلام).

و انما أريد أن اقول: ان النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) لم يترك الامة الاسلامية كقطيع غنم لا قائد و لا راعي له، بل عين خلفاء و ائمة اثني عشر، كلما غاب منهم نجم طلع نجم آخر، يمثل رسول الله و يتولي



[ صفحه 15]



القيادة الشرعية للأمة الاسلامية.

و هذا الكتاب يتحدث عن أحد هؤلاء الأئمة، و يتضمن بعض جوانب حياته المشرقة، و مزاياه و مواهبه، و فضائله و مكارمه.

أسأل الله تبارك و تعالي أن يجعل هذا الجهد المتواضع نافعا و مفيدا للقاري ء الكريم، و ذخيرة لي يوم ادلي في حفرتي، و نورا في وحشتي، و أنيسا في غربتي، و شفيعا يوم حشري و نشري انه أرحم الراحمين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.



[ صفحه 17]




پاورقي

[1] سورة المؤمنون آية 52.

[2] سورة آل عمران آية 103.

[3] سورة الحجرات آية 10.

[4] سورة الشعراء آية 214.

[5] تاريخ الطبري ج 2 ص 216 طبعة مصر سنة 1300 ه / تاريخ ابن الأثير الشافعي ج 2 ص 22 طبعة مصر سنة 1303 ه / مسند احمد بن حنبل ج 1 ص 111 و 159 و 331، و لشهرة هذا الحديث ذكره بعض الغربيين في كتبهم الفرنسية و الانكليزية و الألمانية، و اختصره توماس كارليل في كتابه: الأبطال.

[6] مستدرك الصحيحين للحاكم ج 3 ص 109 / صحيح مسلم ج 2 / الخصائص للحافظ النسائي ص 20 و غيرها.

[7] تفسير الرازي ج 3 ص 636 / تفسير ابن كثير ج 2 ص 14 / تفسير الآلوسي ج 2 ص 350 / تفسير الطبري ج 3 ص 428 و غيرها من عشرات المصادر، و لمزيد الاطلاع راجع كتاب الغدير ج 1 للشيخ الأميني.

[8] كفاية الأثر للثقفي، و روي قريبا منه: البخاري في صحيحه ج 4 كتاب الأحكام ص 175 طبعة مصر سنة 1355 ه / و مسلم في صحيحه كتاب الامارة ج 2 طبعة مصر سنة 1348 ه، و غيرهم كثيرون.