بازگشت

اصحاب الامام الجواد


من الواضح ان الله تعالي قد كلف عباده بتكاليف، و أمرهم بأوامر تتعلق بدينهم و دنياهم و آخرهم.

و من المتفق عليه بين أكثرية المسلمين أن الرسول الأعظم (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي: أهل بيتي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، و انكم لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما» [1] .

و في بعض الأحاديث انه (صلي الله عليه و آله و سلم) اضاف قوله: «فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا، و لا تعلموهم فهم اعلم منكم». [2] .

فتري الرسول الأقدس (صلي الله عليه و آله و سلم) جعل عترته و أهل بيته (و هم الأئمة الاثنا عشر، لا كل من ينتمي الي الرسول بنسب أو سبب)

عدل القران و أمر أمته أن يتمسكوا بهما معا، لا بالقرآن وحده، و لا بالعترة وحدها، بل يتمسكوا بالقرآن و العترة معا.



[ صفحه 90]



فالقرآن يعرف العترة، و العترة تفسر القرآن، و توضح كل ما يحتاج الي تفسير أو توضيح أو شرح أو بيان، و تحل مشكلات القرآن و مبهماته و متشابهاته.

و لم يكتف الرسول الأطهر (صلي الله عليه و آله و سلم) حتي قال: «و انكم لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما» و هذا ضمان من رسول الله لامته أن لا يضلوا و أن لا ينحرفوا عن الصراط المستقيم اذا هم تمسكوا بالقرآن و العترة معا.

و لا يوجد في قاموس الاسلام ضمان كهذا الضمان، و مفهوم ذلك أن من ينحرف عن القرآن أو العترة غير مضمون الهداية.

فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و كله حق و صدق، كذلك العترة (و هم ائمة أهل البيت) مأمونون من الخطأ، معصومون من الزلل في أفعالهم و أقوالهم، و هم أعلم هذه الأمة بالقرآن و الفقه، و بكل ما يحتاج اليه الناس.

يعلمون أحكام الله الواقعية الحقيقة، و لا يفتون بالظن و الوهم و الحدس و القياس و اتباع الهوي.

ولكن أكثرية الامة الاسلامية نبذت كلام نبيها الأعظم وراء ظهرها، و خالفت الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) في تلك الوصايا المؤكدة حول القرآن و العترة، فأخذوا تفسير القرآن من غير العترة، و أخذوا الأحكام الاسلامية من أفراد لم يكونوا من الدين، و نحتوا المذاهب الأربعة و الأئمة الأربعة، و أخذوا عقائدهم و أحكامهم من اولئك، و لم يعترفوا بامامة ائمة أهل البيت الذين نص عليهم الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) بل أخذوا العلم من الكذابين الوضاعين السفاكين المهتوكين، المنحرفين عن الصراط



[ صفحه 91]



المستقيم، أمثال أبي هريرة، و سمرة بن جندب، و المغيرة بن شعبة و عمران بن حطان سراق الدين، و لصوص العلم، الذين ملأوا سجلات التاريخ بمخازيهم و جناياتهم و افتراءاتهم علي رسول الله و آله الأطهار (عليهم السلام).

و من الواضح أن الشيعة المخلصين - الذين لم تتلاعب بهم الأهواء، و لم يميلوا مع كل ريح، و لم تؤثر فيهم الدعايات المضلة - قد ثبتوا علي عقائدهم و ولائهم لأهل البيت (عليهم السلام) و لم ينحرفوا قيد شعرة، فكانوا يأخذون معالم دينهم من المنابع العذبة و معادن الحكمة و المعرفة، تراجمة وحي الله، و خزان علمه و أمناء شريعته و هم اهل البيت (عليهم السلام) بدءا بالامام علي اميرالمؤمنين (عليه السلام) - باب مدينة علم الرسول و خليفته و وزيره و اخيه و وصيه و المفضل لديه - الي ابنائه الأئمة المعصومين الأحد عشر (عليهم الصلاة و السلام).

يقول الشاعر:



اذا شئت أن تبغي لنفسك مذهبا

ينجيك يوم الحشر من لهب النار



فدع عنك قول الشافعي و مالك

و احمد و النعمان او كعب احبار



و وال اناسا ذكرهم و حديثهم:

روي جدنا عن جبرئيل عن الباري



فان الله تعالي فرض علي عباده أن يسألوا أهل الذكر عن معالم دينهم، و أحكام شريعتهم، و الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) أيضا أمر أمته بالكتاب و العترة.

و لهذا كانوا يأخذون العقائد الاسلامية و الأحكام الشرعية عن الأئمة (عليهم السلام) و يكتبون أحاديثهم، و رواياتهم في شتي المواضيع.

و ربما وجدوا الشدائد و الصعوبات لأجل الوصول الي الامام و تعلم



[ صفحه 92]



الأحكام منه، بسبب الرقابة المشددة من قبل السلطات علي الأئمة (عليهم السلام) و علي شيعتهم.

و بالرغم من هذه الظروف الصعبة، و الموانع و الحواجز فقد تخرج من جامعة أهل البيت (عليهم السلام) رجال، يعتبرون مفاخر التاريخ، و نوابغ الكون، و نوادر الحياة، من علماء و فقهاء و محدثين و مفسرين و عباد و زهاد و مؤلفين و كيماويين و غيرهم.

فقد ألف محمد بن ابي عمير أربعا و تسعين كتابا.

و علي بن مهزيار خمسا و ثلاثين كتابا.

و الفضل بن شاذان مائة و ثمانين كتابا.

و يونس بن عبدالرحمن أكثر من ثلاثمائة كتاب.

و محمد بن أحمد بن ابراهيم أكثر من سبعين كتابا.

فهذه أكثر من ستمائة و سبعين كتابا لخمسة من أصحاب الأئمة (عليهم السلام). اضف الي ذلك الأصول الأربعمائة، و هي اربعمائة كتاب جمعت في عصر الامام الباقر و الامام الصادق و الامام الكاظم (عليهم السلام) و هي مجموعة من اجاباتهم علي المسائل التي كان الناس يسألونهم عنها.

و لا تسأل عن مصير تلك الكتب، من العواصف التي مرت بها خلال تلك القرون، و المكتبات التي حكم عليها بالاعدام حرقا أو غرقا أو دفنا، فتلف الكثير من تلك الكنوز، و منابع الثروات الفكرية و العلمية!

و من جملة اولئك الرجال هم أصحاب الامام الجواد (عليه السلام) الذين عاصروا الامام، و كونوا العلاقات اللازمة بينهم و بين الامام الجواد



[ صفحه 93]



من المثول و الحضور عنده، و الارتواء من نمير علمه أو عن طريق المراسلة و المكاتبة.

فأخذوا الأحكام الدينية من الامام الجواد (عليه السلام) - باعتباره الخليفة الشرعي التاسع لرسول الله - فاكنوا يسألونه عن الحلال و الحرام، بل و يفزعون اليه في كل ما دهمهم من المكاره، و يستنجدون به و يتوسلون به في حوائجهم و مشاكلهم و غير ذلك من شتي القضايا و الامور.

و يوجد - في كتب التراجم - اسماء جماهير كثيرة من أصحاب الامام الجواد (عليه السلام) الذين ساعدهم الحظ و التوفيق للتشرف بصحبة الامام الجواد و تعلم الأحكام الشرعية منه.

و نجد عددا غير قليل من هؤلاء - بالرغم من شرف صحبتهم للامام - لم يرو عنهم شي ء من الأحاديث، أو بالأحري: لا يوجد شي ء من أحاديثهم في موسوعات الكتب المتداولة في زماننا هذا.

ولكن شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (عليه الرحمة) [3] قد ذكر أسماء



[ صفحه 94]



جماعة، و عدهم من أصحاب الاما الجواد (عليه السلام) مع خلو كتب الحديث عن أحاديث بعض هؤلاء، و لعل السبب و السر في ذلك هو ان الشيخ الطوسي وجد في كتب الأحاديث الموجودة في عصره اسماء هؤلاء و الأحاديث التي رووها عن الأئمة، ثم تلفت تلك الكتب - و ما اكثرها - فذهبت الأحاديث، و لم يبق من بعض الرواة الا الاسم فقط.

فان المكتبات العظيمة التي صارت طعمة للحريق علي ايدي المجرمين تعتبر في طليعة المآسي العلمية، و من أهم الخسائر الفكرية، و حتي الشيخ الطوسي نفسه أحرقوا مكتبته التي كانت من أضخم المكتبات.

أعود الي حديثي عن أصحاب الامام الجواد (عليه السلام) فأقول:

ان بعض هؤلاء الأصحاب ادرك الامام الجواد و بعض الأئمة الذين قبله او بعض الأئمة الذين بعده، و بعضهم بلغ في التقوي و الفضيلة درجة يغتبط بها، و منزلة لا ينقضي التعجب منها (والله يختص برحمته من يشاء) و بعضهم كان يسأل الامام عن طريق المكاتبة و المراسلة فيجيبه الامام.

و مما يؤسف له ان بعض هؤلاء الأصحاب جرفهم التيار العقائدي، فكانت لهم مواقف مخزية، و انحرافات عجيبة، كما حدث كل هذا في أصحاب رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) اذ منهم من ثبتوا علي الاسلام، و منهم من ارتدوا علي ادبارهم القهقري، و منهم من غير و بدل الأحكام الاسلامية و السنة النبوية!.

و لا بأس أن نذكر أسماء من عثرنا عليهم من أصحاب الامام الجواد (عليه السلام) - ممن ذكرهم علماء الرجال و أرباب التراجم - و بعض الأحاديث التي رووها عن الامام الجواد.



[ صفحه 95]



و يجب ان لا ننسي بأن العلامة الجليل و البحاثة القدير، و الرجالي العبقري آية الله الشيخ عبدالله المامقاني (عليه الرحمة) - مؤلف الموسوعة الرجالية المسماة ب (تنقيح المقال في علم الرجال) - قد جمع فأوعي، و ذكر أسماء من عثر عليهم من رواة الأحاديث من أصحاب النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و أصحاب الأئمة (عليهم السلام) و غيرهم من الفقهاء و المحدثين.

و لعمري: انه أتعب نفسه، و أراح من بعده من المؤلفين، و رواد العلم و المعرفة، و قد استخرجت اسماء أصحاب الامام الجواد (عليه السلام) من ذلك السفر الجليل.

و لم استغن عن الموسوعة الرجالية المسماة ب (معجم رجال الحديث) لآية الله السيد ابي القاسم الخوئي دام ظله، و غيرها من الكتب الرجالية للمعاصرين و غيرهم.

و ها هي اسماء أصحاب الامام الجواد (عليه السلام) حسب ترتيب حروف الهجاء:


پاورقي

[1] صحيح مسلم ج 2 / مستدرك الصحيحين للحاكم ج 3 ص 109 / الخصائص للحافظ النسائي و غيرها.

[2] مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 163.

[3] هو الشيخ الأجل: ابوجعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (رضوان الله عليه) عظيم الفقهاء و كبير العلماء، جليل القدر، عظيم المنزلة، ولد عام 385 ه في مدينة طوس - في اقليم خراسان بايران - و في شبابه هاجر الي العراق و واصل دراسته العلمية علي يد ابطال الفقه و عظماء العلم كالشيخ المفيد و السيد المرتضي و غيرهما.

و قد توفرت في شخصيته مقومات المرجعية و القيادة، فصار المرجع الأعلي و القدوة المثلي للشيعة، و عرف ب (شيخ الطائفة) نظرا الي رئاسته العامة و شخصيته العلمية.

هذا.. و قد كتب في جميع العلوم و المعارف، و له موسوعات في الحديث و الفقه و الاصول و التفسير و الرجال و غيرها. و من كتبه: الفهرست، و قد ذكر فيه اسماء رواة الأحاديث و ما يتعلق بهم من الجرح و التعديل و التوثيق و التضعيف.

توفي (رحمه الله) في النجف الأشرف عام 460 ه و دفن هناك.