يحيي بن أكثم
كان يحيي بن اكثم قاضي القضاة في عصر المأمون العباسي محبوبا عنده، و كان يعرف الحق و اهله، ولكنه اخذته العزة بالاثم فخالف الحق، لأن منصبه كان يفرض عليه ان ينحرف عن الصراط المستقيم.
و قد روي الكليني في الكافي بسنده عن محمد بن ابي العلاء قال: سمعت يحيي بن اكثم - قاضي سامراء، بعدما جهدت به و ناظرته و حاورته و راسلته و سألته عن علوم آل محمد (عليهم السلام) - قال:... فبينا أنا ذات يوم دخلت اطوف بقبر رسول الله (صلي الله عليه - و آله - و سلم) [1] فرأيت محمد بن علي الرضا يطوف به [2] فناظرته في مسائل عندي، فأخرجها الي [3] فقلت له: والله اني اريد ان اسألك مسألة واحدة، و اني لأستحيي من ذلك.
[ صفحه 73]
فقال - الامام الجواد - لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني: تسألني عن الامام!!
فقلت: هو - والله - هذا.
فقال: أنا هو.
فقلت: علامة؟
فكانت في يده عصا، فنطقت فقالت: (انه مولاي امام هذا الزمان و هو الحجة) [4] [5] .
و قد كان يحيي بن اكثم معروفا بعمل قوم لوط (الشذوذ الجنسي) و العجب انه حرم المتعة - التي احلها الله و رسوله - و اباح اللواط - الذي حرمه الله و رسوله -!!
و جاء في كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان ج 6: ان المأمون العباسي قال ليحيي - يوما معرضا به -: من الذي يقول:
قاض يري الحد في الزناء و لا
يري علي من يلوط من بأس؟!
[ صفحه 74]
فقال يحيي: او ما يعرف اميرالمؤمنين (!) من القائل؟
قال: لا.
قال: يقوله الفاجر احمد بن نعيم الذي يقول:
لا احسب الجور ينقضي و علي الـ
ـاٌمة و ال من آل عباس
فأفحم المأمون خجلا.
و أما الأبيات التي جاءت الاشارة اليها فهي:
انطقني الدهر بعد اخراس
لنائبات اطلن وسواسي
يا بؤس للدهر لا يزال كما
يرفع ناسا يحط من ناس
لا افلحت امة و حق لها
بطول نكس و طول انعاس
ترضي ب «يحيي» يكون سائسها
و ليس «يحيي» لها بسواس
قاض يري الحد في الزناء و لا
يري علي من يلوط من باس
يحكم للأمرد الغرير علي
مثل جرير و مثل عباس
فالحمدلله كيف قد ذهب العدل
و قل الوفاء في الناس
اميرنا يرتشي و حاكمنا
يلوط و الرأس شر من راس
لو صلح الدين فاستقام لقد
قام علي الناس كل مقياس
لا احسب الجور ينقضي و علي الـ
ـاٌمة و ال من آل عباس
و كان المأمون ينشد هذين البيتين:
و كنا نرجي ان نري العدل ظاهرا
فأعقبنا بعد الرجاء قنوط
متي تصلح الدنيا و يصلح اهلها
و قاضي قضاة المسلمين يلوط؟!
و من هنا تعرف ان المأمون العباسي كان يعلم سلوك يحيي بن اكثم و انحرافه الجنسي، و مع ذلك اختاره لهذا المنصب الخطير فجعله قاضي قضاة المسلمين، كأنه لم يجد في عصره فقيها نزيها يصلح للقضاء.
[ صفحه 75]
و قديما قيل: ان الطيور علي أشكالها تقع!! و (السمكة تجيف من رأسها).
و قد ذكر ابن خلكان بعض مخازي يحيي بن اكثم من ملاعبته و مغازلته الصبيان، و أنه قرص خد غلام جميل، و غير ذلك مما يخجل عنه القلم.
و كان يحيي اذا نظر الي رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث، و اذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو و قواعد اللغة، و اذا رآه يعلم النحو سأله عن علم آخر، ليخجله.
و يوما دخل عليه رجل من اهل خراسان، و كان ذكيا حافظا، فناظره يحيي بن اكثم، فوجده عارفا بفنون متعددة، فقال له يحيي: نظرت في الحديث؟
قال: نعم.
قال له: ما تحفظ من الاصول؟
قال: احفظ عن شريك عن ابي اسحاق عن الحارث: ان علينا رجم لوطيا!!
فسكت يحيي!!
پاورقي
[1] الطواف: الدوران حول الشي ء، يقال: طاف به اي: استدار و جاء من نواحيه. و من السنن الاسلامية - التي كانت عليها سيرة الصحابة و المسلمين جميعا - زيارة قبر رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و التبرك و التمسح به و تقبيله من اطرافه و نواحيه.
[2] اي بالقبر الشريف.
[3] اي: اجابني عليها.
[4] الظاهر أن هذه العصا هي عصا النبي موسي (عليه السلام) فهي التي صدرت منها الامور الخارقة للعادة، كانقلابها حية تسعي و ثعبانا تلقف ما يأفكون، و هي من مواريث الأنبياء التي وصلت الي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) ثم الي خلفائه الشرعيين واحدا بعد واحد، و قد روي عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال: «كانت عصا موسي لآدم، فصارت الي شعيب، ثم صارت الي موسي بن عمران، و انها لعندنا، و ان عهدي بها آنفا، و انها لتنطق اذا استنطقت...» الي آخر الحديث. اكمال الدين للصدوق ج 2 باب 58 حديث 27.
[5] الكافي ج 1 ص 353.