بازگشت

محمد بن ابي عمير الأزدي (ابواحمد)


و اسم أبيه: زياد. ادرك ثلاثة من الأئمة الطاهرين: وهم الامام الكاظم و الامام الرضا و الامام الجواد (عليهم السلام) و قيل: انه ادرك الامام الصادق (علي اختلاف بين علماء الرجال).

و علي كل حال.. فهو شخصية لامعة، قل ان تجد في أصحاب الأئمة (عليهم السلام) له مثيلا او نظيرا في علمه و تقواه، و ايمانه و عبادته، و مروءته و صبره علي البلاء، و ورعه، و ستعرف - قريبا - انه من نوادر الكون.

فهو من ناحية الحديث ثقة و أي ثقة؟ حتي ان بعض علماء الحديث عدوا مراسيله مسانيد [1] فهو جليل القدر عند الشيعة و غيرهم، و أجمع الأصحاب علي تصحيح ما يصح عنه.

فما تقول في رجل بلغت مؤلفاته القيمة اربعة و تسعين كتابا، كلها احاديث قد سمعها عن الأئمة مباشرة، او رويت له عنهم؟!



[ صفحه 293]



و هذه المؤلفات في الفقه و العقائد و الملاحم و غيرها.

ولكن ما مصير تلك الكتب التي كانت كنوز للعلوم و المعارف؟

لقد حبسه الطاغية هارون العباسي، و قيل: بل حبسه المأمون بعد وفاة الامام الرضا (عليه السلام) و صادر امواله.

و اختلف في السبب، فقيل: ان هارون عرض عليه القضاء فأبي، فحبسه.

و قيل: حبسه ليدل علي مواضع الشيعة في العراق.

فيقال: ان اخته هي التي دفنت تلك الكتب خوفا من التحري و تفتيش داره!.

و قيل: تركها في غرفة، فسال عليها المطر، فتلفت تلك الثروة العلمية!

و ضربه اللعين السندي بن شاهك مائة و عشرين خشبة (عصي) حتي يعترف بأسماء الشيعة في العراق، فجردوه عن ثيابه، و علقوه بين القفازين (الخشبتين) فضربه مائة سوط، فاشتد به الألم، و كاد ان يعترف و يذكر اسماء الشيعة، ولكنه سمع نداء محمد بن يونس بن عبدالرحمن يقول له: يا محمد بن ابي عمير! اذكر موقفك بين يدي الله تعالي»

فتقوت عزيمته، و صبر علي ألم التعذيب، و لم يخبر بشي ء، و فرج الله عنه بأن فدي نفسه بمائة و عشرين الف درهم حتي خلوا سبيله.

و أما عبادته: فقد روي في كتاب ابي عبدالله الشاذاني عن الفضل بن شاذان قال: دخلت العراق، فرأيت واحدا يعاتب صاحبه و يقول: انت رجل عليك عيال، و تحتاج ان تكسب عليهم، و ما آمن عليك ان



[ صفحه 294]



تذهب عيناك لطول سجودك.

قال - الفضل -: فلما أكثر عليه - اي في العتاب - قال: كثرت علي ويحك! لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن ابي عمير؛

ما ظنك برجل يسجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما يرفع رأيه الا عند الزوال؟ (اي وقت الظهر)

و اليك هذا الحديث الذي رواه الصدوق عن ابراهيم بن هاشم:

ان محمد بن ابي عمير كان رجلا بزازا، فذهب ماله و افتقر، و كان له علي رجل عشرة آلاف درهم، فباع الرجل دارا كان يسكنها، و حمل المال الي بابه (اي باب دار ابن ابي عمير) فقال: ما هذا؟

قال: هذا مالك الذي علي.

قال: ورثته؟ (اي وصل اليك عن طريق الارث).

قال الرجل: لا.

قال: وهب لك؟

قال: لا.

قال: هو ثمن ضيعة بعتها؟ ما هو؟

قال: بعت داري التي اسكنها لا قضي ديني.

فقال محمد بن ابي عمير: حدثني ذريح المحاربي عن ابي عبدالله - الصادق - عليه السلام قال: (لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين)

ارفعها، فلا حاجة لي فيها، و اني - والله - لمحتاج في وقتي هذا الي درهم، و ما يدخل ملكي من هذا درهم واحد.



[ صفحه 295]



أقول: هذا الحديث يدل علي ما كان يتمتع به ابن أبي عمير من الالتزام بالتعاليم الشرعية، و اني اعتقد انه لا يوجد في العالم اليوم من يلتزم هذا الالتزام، و يحرم نفسه من المال الذي هو محتاج اليه، مع العلم ان المال ماله، ولكنه لا يقبل منه شيئا، لحديث سمعه من الامام الصادق (عليه السلام) ان المديون لاتباع داره لاداء دينه.

حيا الله تلك المدرسة التي يتخرج منها أمثال هؤلاء التلاميذ!!


پاورقي

[1] المراسيل - جمع مرسل - هي الأحاديث المحذوفة السند، و المسانيد - جمع مسند - هي الأحاديث المذكورة السند.