بازگشت

النص علي امامته


لكن الظروف صعبة، و وسائل الاعلام غير متوفرة، فلا بد من انتهاز الفرصة في شتي الميادين للنص علي امامة الامام الجواد (عليه السلام) و تثبيت قواعد امامته في الأوساط الشيعية.

فهذا معمر بن خلاد يقول: سمعت الرضا (عليه السلام) و ذكر شيئا فقال: ما حاجتكم الي ذلك؟ هذا ابوجعفر قد أجلسته مجلسي، و صيرته مكاني.

و قال: «انا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا، القذة بالقذة» [1] .

و يدعو الامام الرضا بالامام الجواد و هو صغير، و يجلسه في حجر الحسن بن الجهم - و هو من أصحابه - و يقول له: جرده و انزع قميصه، و انظر بين كتفيه. فينظر الرجل بين كتفي الامام الجواد (عليه السلام) فيري في احدي كتفيه شيئا شبيها بالخاتم داخلا في اللحم، فيقول (عليه السلام):



[ صفحه 38]



اتري هذا؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي (عليه السلام) [2] .

و يسأله صفوان بن يحيي: قد كنا نسألك - قبل ان يهب الله لك اباجعفر - فكنت تقول: يهب الله لي غلاما.

فقد وهبه الله لك، فأقر عيوننا، فلا أرانا الله يومك [3] فان كان كون فالي من [4] .

فأشار بيده الي أبي جعفر و هو قائم بين يديه.

فقال صفوان: جعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟!

فقال الامام -: و ما يضره من ذلك؟ فقد قام عيسي (عليه السلام) بالحجة و هو ابن ثلاث سنين [5] .

و يروي الخيراني عن ابيه خبر صفوان المتقدم، و يذكر جواب الامام الرضا هكذا: «ان الله تبارك و تعالي بعث عيسي بن مريم (عليه السلام) رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه ابوجعفر».

أقول: و هذا البحث يحتاج الي شي ء من الشرح، و لا بأس بذكر مقدمة تمهد لنا سهولة تقبل الأحاديث السابقة:

ان البشر يألف الامور العادية و يستأنس بها. أما اذا رأي أو سمع



[ صفحه 39]



شيئا يخالف ما جرت به العادة فانه يستوحش من ذلك، لأنه رأي أو سمع شيئا غير مألوف عنده.

ان الناس يشاهدون الأطفال الذين يولدون و لا يعرفون شيئا. قال تعالي: (و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) [6] .

حتي نظرات الطفل غير مركزة، يسمع الأصوات و يري الأشياء و لا يفرق بينها، و تنقضي الأيام و الشهور و السنوات حتي يتعلم الطفل الحروف و الكلمات، و يتكلم بما سمعه من الألفاظ التي يكثر استعمالها، و يسهل التلفظ بها، و يسمعها كثيرا.

و مشاعره تتفتح تدريجيا، و مداركه تتضج بمرور الزمان، و يحتاج الي زمان طويل حتي يتثقف و يتعلم، و يحصل له شي ء من المعرفة و الثقافة.

و هكذا جرت العادة بين أفراد البشر علي طول التاريخ و بصورة دائمة.

ولكننا نجد أفرادا من البشر قد خرقوا هذه العادة، و تحدوا قوانين الطبيعة و لم يحتاجوا الي طي المراحل و قطع الزمان، و الي التعلم و الدراسة، بل كانت ولادتهم مشفوعة بالنضج الكامل، و العقل الوافر، و المعرفة التامة، كل ذلك بقدرة الله الذي هو علي كل شي ء قدير.

و القرآن الكريم يصرح بامكان هذا المعني، فهذا يحيي بن زكريا و قد قال الله في حقه: (و آتيناه الحكم صبيا) [7] أي آتيناه النبوة في حال صباه، و هو ابن ثلاث سنين كما هو المروي عن ابن عباس و عن الامام الرضا (عليه السلام).



[ صفحه 40]



و في قصة عيسي بن مريم: (قالوا كيف نكلم من كان في المهد، صبيا قال اني عبدالله آتاني الكتاب و جعلني نبيا) [8] أي قالوا كيف نكلم صبيا رضيعا في حجر امه، فقال عيسي - و عمره يوم واحد، كما عن ابن عباس و اكثر المفسرين -: (اني عبدالله) أقر علي نفسه بالعبودية حتي لا تنسب اليه الربوبية و الالوهية: (آتاني الكتاب و جعلني نبيا) فقد اكمل الله تعالي عقله في صغره، و أرسله الي عباده، و كان نبيا مبعوثا الي الناس من ذلك الوقت، مكلفا عاقلا، و لذلك كانت له المعجزة، و قد ذكر الله هذه المعجزة لعيسي (عليه السلام) في ثلاثة مواضع من القرآن:

1- في سورة مريم - كما تقدم -.

2- و في سورة آل عمران آية 46 - 45: (اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسي بن مريم وجيها في الدنيا و الآخرة و من القربين، و يكلم الناس في المهد وكهلا و من الصالحين).

3- و في سورة المائدة آية 110: (اذ قال الله يا عيسي بن مريم اذكر نعمتي عليك و علي والدتك اذ ايدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا).

ذكر المفسرون أن روح القدس هو جبرئيل كما قال تعالي: (قل نزله روح القدس من ربك بالحق) أو ملك آخر من الملائكة، او الروح - الذي ليس هو من جنس الملائكة - الذي ذكره الله في مواضع عديدة من القرآن كقوله تعالي: (تنزل الملائكة و الروح) و قوله عزوجل: (ينزل الملائكة بالروح من أمره).



[ صفحه 41]



قوله تعالي: (أيدتك) التأييد: التقوية و الاعانة، فيكون المعني ان الله تعالي أعان عيسي بن مريم بروح القدس، و أما كيفية الاعانة و التقوية فان الله تعالي يعلمها.

بعد هذه المقدمة الموجزة يسهل علينا أن نعتقد بامكان تكلم الطفل يوم ولادته بتأييد من الله تعالي بروح القدس، و بامكان وصول الطفل الي درجة النبوة و نزول الكتاب السماوي عليه.

و لا يصعب علينا - اذن - أن نقبل بأن يبلغ الطفل - ابن ثلاث سنوات - درجة النبوة: (و آتيناه الحكم صبيا).

و قد ذكرنا شيئا يتعلق بهذا الموضوع في كتاب (الامام المهدي من المهد الي الظهور).

فكما أن النبوة منصب الهي يتعين من عندالله تعالي كذلك الامامة يجب ان تتعين من عندالله، و نص من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و من الامام السابق للامام اللاحق.

و قد ذكرنا بعض الأحاديث المروية عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) حول الأئمة الاثني عشر - الذين بعده - في اوائل كتاب (الامام المهدي من المهد الي الظهور).

و هذه الأحاديث كثيرة، و مروية بطرق عديدة، حتي أن بعض علمائنا قد ألف كتابا حول مصادر هذا الحديث من الصحاح الستة و غيرها من مؤلفات أهل السنة، منها:

تنزيل القرآن: للحافظ ابي نعيم الاصفهاني

المناقب: لأحمد بن حنبل

فرائد السمطين: للجويني او الحمويني



[ صفحه 42]



مطالب السؤول: لمحمد بن طلحة الشافعي

كفاية الطالب: للشافعي الكنحي

مسند فاطمة: للدار قطني

فضائل أهل البيت: للخوارزمي الحنفي

مناقب علي بن ابي طالب: لابن المغازلي الشافعي

جواهر العقدين: للسمهودي

ذخائر العقبي: لمحب الدين الطبري

الفصول المهمة: لابن الصباغ المالكي

الصواعق المحرقة: لابن حجر الهيثمي

الاصابة: لابن حجر العسقلاني

الجامع الصغير: للسيوطي

كنز الحقائق: للمناوي

الجمع بين الصحاح الستة: للعبدلي

و يروي عن البخاري و مسلم و الحميدي، و العجب ان عمر بن الخطاب هو أحد رواة هذا الحديث كما ذكره علي بن المسيب.

و اما الشيعة فيعتبرون هذا جزءا من عقائدهم، و لا يشكون في ذلك.


پاورقي

[1] الكافي ج 1 / 320. و القذة - بضم القاف و فتح الذال -: تضرب مثلا للشيئين اذا تساويا في المقدار.

[2] الكافي ج 1 ص 321.

[3] اي: يوم وفاتك.

[4] اي: اذا فارقت الحياة فمن الامام بعدك؟.

[5] الكافي ج 1 ص 321.

[6] سورة النحل آية 78.

[7] سورة مريم آية 12.

[8] سورة مريم آية 30.